للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قريش قال، فكثر اللفط وارتفعت الأصوات حتى تخوفت الاختلاف؛ فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته ثم بايعه المهاجرون ثم بايعه الأنصار.

وعن أنس بن مالك قال: لما بويع أبو بكر بالسقيفة وكان الغد، جلس أبو بكر على المنبر فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أيها الناس إني كنت قلت لكم مقالة بالأمس ما كانت مما وجدتها في كتاب الله ولا كانت عهدا عهد إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكني قد كنت أرى أن رسول الله سيدبر أمرنا وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى الله ورسول - صلى الله عليه وسلم - فإن اعتصتم به، هداكم الله لما كان هداكم له وإن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه، فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة.

وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أضخم محنة شهدتها الجماعة المسلمة الأولى في حياتها والمحنة الأولى التي عانتها في أحد كان أضخم ما فيها ما بلغهم من مقتل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيها نزل قول الله عز وجل {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسبجزي الله الشاكرين} (١).

ولم يكن يدور في خلد المؤمنين أن تكون موجة الردة الضخمة هي التمثيل العملي للانقلاب على العقب ولكن ضخامة هذه المحنة، تبدو في حس المسلم حين يطمئن إلى أن قائده رسول رب العالمين، وحين يطمئن إلى أن قائده سيد ولد آدم فأي شيء يقلق باله، ومن أي شيء يخاف بعد ذلك، فهو على هداه ولكن أن يفتح المسلمون أعينهم على الدنيا ذات صباح فلا يجدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أيديهم إنه حقا لأمر جلل، ومن أجل هذا فما أطاقه عمر بن الخطاب ولم يكن على استعداد في حسه أن يقبل أن محمدا قد مات ومن أجل هذا هدد بقطع عنق كل من تسول نفسه أن نتحدث عن موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس موسى - صلى الله عليه وسلم - أكرم منه، فلا غرابة أن يمضي لمناجاة ربه كما مضى موسى عليه الصلاة والسلام.

غير أن الصديق الأكبر رضي الله عنه جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورأى أنه قد مات حقا بعد أن كشف البرد عن وجهه وقلبه وجاء يواجه الناس بالحقيقة السافرة دون أدنى تلجلج أو تردد وحاول إسكات عمر فلم يفلح، ثم خطب وقال كلمته التاريخية الخالدة.

(من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت). بهاتين الكلمتين لخص الإسلام كله، لأن الإسلام هو عبادة الله لا عبادة من دونه، {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال: سبحانك ما يكون


(١) آل عمران ١٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>