وكما قالت ام أيمن رضي الله عنها أبكي انقطاع الوحي من السماء فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يغيب عن هذه الدنيا بجسده الشريف، ويغيب معه وحي الله تعالى لخلقه يحق لمن يتحدث عن مصيبته أن يقول:
وما فقد الماضون مثل محمد ... ولا مثله حتى القيامة يفقد
ونحن نتحدث عن المنهج الحركي للسيرة النبوية لا بد أن نلحظ أثر هذا المنهج والرسول - صلى الله عليه وسلم - مسجى في برده الشريف، وقد انتشر الخبر ووصل إلى داخل بيت النبوة أن الأنصار اجتمعت لتختار أميرا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحين ندع العواطف ومنطقها يتحكم فينا يقتضي الأمر منا لو كنا مع أبي بكر وعمر وأبي عبيدة رضي الله عنهم، أن ندع الدنيا يتصارع عليها المتصارعون ونبقى نحن ويبقى الرعيل الأول بجوار الجسد الطاهر حتى يجهزوه ويكفنوه ويدفنوه وإنه لمن العقوق أن يمضي هؤلاء الخلص بعيدا عنه لكن عندما يكون منطق العقيدة التي تحكم العواطف وتتحكم بها هو الذي يسود تختلف الصورة فوفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقتضي أن يتفق المسلمون على أمير بعده قبل أن ينتقض الأمر، واحتمالات انتقاضه واردة لأبعد الحدود فهذا مسيلمة الحنفي في اليمامة قد ارتد وذاك الأسود العنسي في اليمن قد ارتد وكلاهما ادعى النبوة ومن أجل هذا لم يجد الصديق والفاروق والأمين حرجا من أن يمضوا إلى سقيفة بني ساعدة ليعالجوا الأمر هناك قبل أن ينفرد الأنصار بالرأي وتعقد البيعة عندئذ تتفاقم المشكلة أكثر وأكثر ويكون نقض البيعة أدهى وأمر من عقدها ابتداء بلا شك والتقى المهاجرون بالأنصار وكانت الأنصار ترى أنها أحق بالأمر بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالبلد بلدهم، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أوى إليهم، واختارهم على غيرهم من أهل الأرض، والمهاجرون تبع لهم بذلك.
هذا هو منطق الأنصار وحجتهم بينما كان منطق المهاجرين يقوم على أساس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قريش والعرب لا تدين إلا لقريش إذ هم سدنة البيت الحرام وحماته، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - منهم.
وأمام توازن المنطقين وإدلاء كل منها بحجته كان الحل الثاني منا أمير ومنكم أمير وكان هذا المنطق مرفوضا عند المهاجرين أكثر من المنطق الأول لأنه لا يجتمع سيفان في غمد ومن أجل هذا كان جواب أبي بكر رضي الله عنه لهم يا معشر الأنصار لقد كنتم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من بدل وغير.
وكانت هذه الكلمة ذات مفعول أشد من وقع السيف أعادت لهم صحوتهم، فهم أنصار الله ورسوله فلم لا يكونوا أنصار خليفته من بعده.
وكانت وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم قبيل وفاته، أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم فلحظوا أن هذه