٢ - غير أن الأمر تطور تطورا آخر، من حرية العبادة إلى حرية الدعوة، وهنا ثارت ثائرة قريش وأرسلت وراء ابن الدغنة تستجير به وتعلن استعدادها لخرق الحماية أما الحدث الجديد الذي فوجئت به، ان يصلي أبو بكر في فناء بيته، فتتقصف عليه النساء ويجتمعن عليه، ويفتن به - وكذلك الولدان - وعجز ابن الدغنة، عن إجراء إجارته على حرية الدعوة، وعندما خير أبو بكر رضي الله عنه، بين حجز حريته عن الدعوة إلى الله، وأن يعيش في ظل ابن الدغنة آمنا قرير العين، وبين أن يدعو ويحمل مسؤولية دعوته، آثر البلاء والدعوة في سبيل الله على الأمان وحرية العبادة، لقد كانت هذه الإجارة أدنى من إجارة أبي طالب، فهناك إذن الإجارة على حرية الدعوة كما كانت إجارة أبي طالب، اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت. وبين إجارة ابن الدغنة على حرية العبادة ارجع واعبد ربك ببلدك.
ولقد وجد هذان النموذجان في مكة. من تحميه قوة لإجارة في حرية العبادة وهو الأكثر، ومن تحميه قوة الإجارة في حرية الدعوة وهو نادر، بل نكاد نقول أنه خاص برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكما رأينا محاولات قريش في ضرب هذه الإجارة وفشلها في ذلك. ونخلص من هذا إلى أن الاستفادة من قوانين الجاهلية أمر مشروع إن كان فيه مصلحة للدعوة. وليس هذا طعنا في الدين، وليس هذا احتكار لغير شريعة الله. كما يدور بخلد بعض المتحمسين.
ومما يذكر في تاريخ الدعوة المعاصر أن الحكومة المصرية عندما اعتقلت الداعية الإسلامي الكبير محمد قطب عام ٦٦، أقام الإمام الشهيد سيد قطب دعوة على الحكومة المصرية التي خرقت القانون في اعتقاله. ولم يعرف تاريخ الدعوة الحديثة مثل سيد في تحرره من فكرة الحاكمية لغير الله. وهو الذي حمل لواءها في كتبه وفكره وحياته حتى توفاه الله. إن الفقه العظيم لسيد حين يفرق بين القناعة بنظام حكم كافر يسعى إليه، وبين الاستفادة من نظام حكم كافر لحماية الدعوة وشيابها ورجالها.
ومن هذا المنطلق نقول وننتبه كذلك إلى: إن الديمقراطية - وهي نظام