«مَنْ ذَبَحَ شَاةً قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ ذَبِيحَتَهُ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ» وَقَالَ ﵊ «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الصَّلَاةُ ثُمَّ الْأُضْحِيَّةُ» غَيْرُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ الْمِصْرِيُّ دُونَ أَهْلِ السَّوَادِ، لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لِاحْتِمَالِ التَّشَاغُلِ بِهِ عَنْ الصَّلَاةِ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّأْخِيرِ فِي حَقِّ الْقَرَوِيِّ وَلَا صَلَاةَ عَلَيْهِ، وَمَا رَوَيْنَاهُ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي نَفْيِهِمَا الْجَوَازَ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ نَحْرِ الْإِمَامِ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مَكَانُ الْأُضْحِيَّةِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ فِي السَّوَادِ وَالْمُضَحِّي فِي الْمِصْرِ يَجُوزُ كَمَا انْشَقَّ الْفَجْرُ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ. وَحِيلَةُ الْمِصْرِيِّ إذَا أَرَادَ التَّعْجِيلَ أَنْ يَبْعَثَ بِهَا إلَى خَارِجِ الْمِصْرِ فَيُضَحِّيَ بِهَا كَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ، لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الزَّكَاةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ كَالزَّكَاةِ بِهَلَاكِ النِّصَابِ فَيُعْتَبَرُ فِي الصَّرْفِ مَكَانُ الْمَحَلِّ لَا مَكَانُ الْفَاعِلِ اعْتِبَارًا بِهَا، بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ
وَلَوْ ضَحَّى بَعْدَمَا صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُصَلِّ أَهْلُ الْجَبَّانَةِ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ، حَتَّى لَوْ اكْتَفَوْا بِهَا أَجْزَأَتْهُمْ وَكَذَا عَلَى عَكْسِهِ.
وَقِيلَ هُوَ جَائِزٌ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا.
بَاقٍ، لِأَنَّهُ إذْ لَمْ تَتَأَدَّ الْأُضْحِيَّةُ بِالذَّبْحِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ بَلْ لَمْ يُمْكِنْ أَدَاؤُهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فِي حَقِّهِمْ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ فَمَا مَعْنَى جَعْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَقْتًا لِلْأُضْحِيَّةِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ أَيْضًا، وَمَا ثَمَرَةُ ذَلِكَ؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ثَمَرَةَ كَوْنِ وَقْتٍ مَا وَقْتَ الْوَاجِبِ صِحَّةُ أَدَاءِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَا أَقَلَّ مِنْ إمْكَانِ أَدَائِهِ فِيهِ فَتَأَمَّلْ.
ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْوِقَايَةِ قَالَ فِي تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَأَوَّلُ وَقْتِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ إنْ ذَبَحَ فِي مِصْرٍ، وَبَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إنْ ذَبَحَ فِي غَيْرِهِ، وَآخِرُهُ قُبَيْلَ غُرُوبِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ انْتَهَى. وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ فِي مَتْنِهِ: وَأَوَّلُ وَقْتِهَا بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَآخِرُهُ قُبَيْلَ غُرُوبِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَشَرَطَ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا إنْ ذَبَحَ فِي مِصْرٍ، وَإِنْ ذَبَحَ فِي غَيْرِهِ لَا.
وَقَالَ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ فِي الْحَاشِيَةِ: هَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي أَخْطَأَ فِيهَا تَاجُ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ مَكَانِ الْفِعْلِ وَلَمْ يَتَنَبَّهْ لَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَقُولُ: لَا خَطَأَ فِي كَلَامِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ أَصْلًا، فَإِنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ وَأَوَّلُ وَقْتِهَا أَوَّلُ وَقْتِ أَدَائِهَا لَا أَوَّلُ وَقْتِ وُجُوبِهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا كَانَ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ شَرْطًا فِي حَقِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ كَانَ أَوَّلُ وَقْتِ أَدَائِهَا فِي حَقِّهِمْ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ أَوَّلُ وَقْتِ وُجُوبِهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَيُؤَيِّدُهُ جِدًّا عِبَارَةُ الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ حَيْثُ قَالَ: وَوَقْتُ الْأَدَاءِ لِمَنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ عَنْ صَلَاةِ الْعِيدِ انْتَهَى
(قَوْلُهُ وَلَوْ ضَحَّى بَعْدَمَا صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُصَلِّ أَهْلُ الْجَبَّانَةِ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى لَوْ اكْتَفَوْا بِهَا أَجْزَأَتْهُمْ) قَالَ الشُّرَّاحُ: قَوْلُهُ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ قِيَاسًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ اعْتِبَارَ جَانِبِ أَهْلِ الْجَبَّانَةِ يَمْنَعُ الْجَوَازَ وَاعْتِبَارَ جَانِبِ أَهْلِ الْمَسْجِدِ يُجَوِّزُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ وَبَعْدَ الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ فَوَقَعَ الشَّكُّ، وَفِي الْعِبَادَاتِ يُؤْخَذُ بِالِاحْتِيَاطِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ انْتَهَى. أَقُولُ: هُنَا بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ لَا يَدْفَعُ وَجْهَ الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرُوهُ، لِأَنَّ كَوْنَ صَلَاةِ أَهْلِ الْمَسْجِدِ صَلَاةً مُعْتَبَرَةً لَا يُنَافِي كَوْنَ صَلَاةِ أَهْلِ الْجَبَّانَةِ أَيْضًا صَلَاةً مُعْتَبَرَةً، كَيْفَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا عَلَى عَكْسِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute