للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النَّبِيِّ بَانَتْ مِنْهُ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِمَا مَرَّ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ زِيَادَةً عَلَى هَذَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

كِتَابُ الْحَجْرِ

ضَرُورَةِ جَعْلِ الشَّارِعِ عَدَمَهُ عَفْوًا وَاعْتَبَرَ الْمُرَكَّبَ مَوْجُودًا حُكْمًا وَقَدْ بُيِّنَ ذَلِكَ فِي كُتُب الْأُصُولِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا يَظْهَرُ تَمَشِّي مَا فِي الْكِتَابِ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ أَيْضًا فِي حَالِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْكُفْرِ كَمَا لَا يَخْفَى تَأَمَّلْ تَقِفْ.

(كِتَابُ الْحَجْرِ)

أَوْرَدَ الْحَجْرَ عَقِيبَ الْإِكْرَاهِ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا سَلْبُ وِلَايَةِ الْمُخْتَارِ عَنْ الْجَرْيِ عَلَى مُوجِبِ الِاخْتِيَارِ، إلَّا أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَمَّا كَانَ أَقْوَى تَأْثِيرًا لِأَنَّ فِيهِ سَلْبَهَا عَمَّنْ لَهُ اخْتِيَارٌ صَحِيحٌ وَوِلَايَةٌ كَامِلَةٌ، بِخِلَافِ الْحَجْرِ كَانَ أَحَقَّ بِالتَّقْدِيمِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ.

وَمِنْ مَحَاسِنِ الْحَجْرِ أَنَّ فِيهِ شَفَقَةً عَلَى خَلْقِ اللَّهِ ﷿ وَهِيَ أَحَدُ قُطْبَيْ أَمْرِ الدِّيَانَةِ، وَالْآخَرُ التَّعْظِيمُ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْوَرَى وَفَاوَتَ بَيْنَهُمْ فِي الْحِجْرِ، فَجَعَلَ بَعْضَهُمْ أُولِي الرَّأْيِ وَالنُّهَى، وَمِنْهُمْ أَعْلَامُ الْهُدَى وَمَصَابِيحُ الدُّجَى وَجَعَلَ بَعْضَهُمْ مُبْتَلًى بِبَعْضِ أَسْبَابِ الرَّدَى فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مُعَامَلَاتِ الدُّنْيَا، كَالْمَجْنُونِ الَّذِي هُوَ عَدِيمُ الْعَقْلِ، وَالْمَعْتُوهِ الَّذِي هُوَ نَاقِصُ الْعَقْلِ، فَأَثْبَتَ الْحَجْرَ عَلَيْهِمَا عَنْ التَّصَرُّفَاتِ نَظَرًا مِنْ الشَّرْعِ لَهُمَا، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ تَصَرُّفِهِمَا ضَرَرٌ يَلْزَمُهُمَا، إذْ لَيْسَ لَهُمَا عَقْلٌ كَامِلٌ يَرْدَعُهُمَا وَتَمْيِيزٌ وَافِرٌ يَرُدُّهُمَا، وَكَذَلِكَ حَجْرُ الصَّبِيِّ وَالرَّقِيقِ.

أُمًّا الصَّبِيُّ فَفِي أَوَّلِ أَحْوَالِهِ كَالْمَجْنُونِ وَفِي آخِرِهَا كَالْمَعْتُوهِ، فَمَا هُوَ الْمُتَوَقَّعُ مِنْ ضَرَرِهِمَا يُتَوَقَّعُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ.

وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، وَلَا يَسْتَعْمِلُ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ مِثْلَ اسْتِعْمَالِهِ فِي مَالِ نَفْسِهِ عَادَةً، فَسَدَّ بَابَ التَّصَرُّفِ عَلَى الرَّقِيقِ بِالْحَجْرِ لِرِقِّهِ نَظَرًا لِلْمَوْلَى، ثُمَّ إنَّ الْحَجْرَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْمَنْعُ فَإِنَّهُ مَصْدَرُ حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي إذَا مَنَعَهُ. وَفِي الشَّرِيعَةِ هُوَ الْمَنْعُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الصَّغِيرُ وَالرَّقِيقُ وَالْمَجْنُونُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِيهِ قُصُورٌ.

أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْحَجْرَ فِي الشَّرِيعَةِ لَيْسَ هُوَ الْمَنْعَ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>