للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَالْخُصُومَةِ فِيهَا

قَالَ (وَإِذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ عَلَى الْمُطَالَبَةِ) اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَبَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ وَهُوَ أَنْ يَطْلُبَهَا كَمَا عَلِمَ، حَتَّى لَوْ بَلَغَ الشَّفِيعُ الْبَيْعَ وَلَمْ يَطْلُبْ شُفْعَةً بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِقَوْلِهِ «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» وَلَوْ أُخْبِرَ بِكِتَابٍ وَالشُّفْعَةُ فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ فَقَرَأَ الْكِتَابَ إلَى آخِرِهِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَعَلَى هَذَا عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ.

وَعَنْهُ أَنَّ لَهُ مَجْلِسَ الْعِلْمِ، وَالرِّوَايَتَانِ فِي النَّوَادِرِ. وَبِالثَّانِيَةِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ التَّمَلُّكِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ زَمَانِ التَّأَمُّلِ كَمَا فِي الْمُخَيَّرَةِ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَمَا بَلَغَهُ

صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ الْأَخْذِ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي أَيْضًا. وَثَانِيهمَا أَنَّ تَسْلِيمَ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ لَيْسَ بِوَظِيفَةِ الْمُشْتَرِي دَائِمًا، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ صَرَّحَ فِيمَا مَرَّ آنِفًا بِأَنَّهُ يَكْتَفِي بِثُبُوتِ الْبَيْعِ فِي حَقِّ الْبَائِعِ حَتَّى يَأْخُذَهَا الشَّفِيعُ إذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يُكَذِّبُهُ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إنَّمَا يُسَلِّمُهَا الْبَائِعُ دُونَ الْمُشْتَرِي فَكَانَ الْأَحَقُّ بِالْمَقَامِ أَنْ يُقَالَ إذَا سَلَّمَهَا الْخَصْمُ بَدَلَ قَوْلِهِ إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي لِيَشْمَلَ تَسْلِيمَ الْمُشْتَرِي وَتَسْلِيمَ الْبَائِعِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ تَسْلِيمِ الْمُخَاصِمِ تَبَصَّرْ.

(بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَالْخُصُومَةِ فِيهَا)

لَمَّا لَمْ تَثْبُتْ الشُّفْعَةُ بِدُونِ الطَّلَبِ شَرَعَ فِي بَيَانِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَتَقْسِيمِهِ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ. أَقُولُ: هَذَا بَيَانٌ مِنْ الشُّرَّاحِ لِوَجْهِ ذِكْرِ الشَّطْرِ الْأَوَّلِ مِنْ شَطْرَيْ عِنْوَانِ الْبَابِ وَهُوَ طَلَبُ الشُّفْعَةِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِوَجْهِ ذِكْرِ الشَّطْرِ الثَّانِي مِنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُهُ وَالْخُصُومَةُ فِيهَا، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْخُصُومَةِ فِي الشُّفْعَةِ شَأْنٌ مَخْصُوصٌ وَتَفَاصِيلٌ زَائِدَةٌ عَلَى سَائِرِ الْخُصُومَاتِ كَمَا سَتَظْهَرُ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا أَيْضًا أَصَالَةً (قَوْلُهُ اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَبَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ وَهُوَ أَنْ يَطْلُبَهَا كَمَا عَلِمَ، حَتَّى لَوْ بَلَغَهُ الْبَيْعُ وَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) قَالَ الشُّرَّاحُ: قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ قَبْلَ الْبَابِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ضَعِيفٌ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ وَالطَّلَبِ لِيُعْلَمَ بِذَلِكَ رَغْبَتُهُ فِيهِ دُونَ إعْرَاضٍ عَنْهُ.

أَقُولُ: فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ كَمَا يَدُلُّ عَلَى لُزُومِ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى لُزُومِ الْإِشْهَادِ فِيهِ حَيْثُ قَالَ: فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ وَالطَّلَبِ، وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ مِنْهُ بِأَنَّ الْإِشْهَادَ فِيهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ إنَّمَا هُوَ لِنَفْيِ التَّجَاحُدِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِشْهَادِ الْمَذْكُورِ هُنَاكَ هُوَ الَّذِي فِي طَلَبِ التَّقْرِيرِ دُونَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ يُرْشِدُ إلَيْهِ تَقْدِيمُ الْإِشْهَادِ عَلَى الطَّلَبِ فِي قَوْلِهِ فَلَا بُدَّ الْإِشْهَادُ وَالطَّلَبُ، إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْإِشْهَادِ هُنَاكَ هُوَ الْإِشْهَادَ عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لَكَانَ ذِكْرُ الطَّلَبِ بَعْدَهُ لَغْوًا، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِشْهَادُ عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ بِدُونِ تَحَقُّقِ نَفْسِ ذَلِكَ الطَّلَبِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قُبَيْلَ ذَلِكَ وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ إذْ الشُّفْعَةُ لَا تَسْتَقِرُّ إلَّا بَعْدَ طَلَبِ التَّقْرِيرِ وَالْإِشْهَادِ عَلَى مُقْتَضَى مَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ كَلَامَيْ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ وَلِقَوْلِهِ «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا») أَقُولُ: فِي وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ نَوْعُ إشْكَالٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>