(فَصَلٌ فِي الْعَزْلِ وَالْقِسْمَةِ)
قَالَ (وَإِذَا مَاتَ رَبُّ الْمَالِ أَوِ الْمُضَارِبُ بَطَلَتِ الْمُضَارَبَةُ) لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَمَوْتُ الْمُوَكِّلِ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ، وَكَذَا مَوْتُ الْوَكِيلِ وَلَا تُورَثُ الْوَكَالَةُ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ.
أَصْلًا بَلْ هَذَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ اشْتِرَاطِ عَمَلِ عَبْدِ الْمَضَارِبِ … إِلَخْ. يَصِيرُ بَيَانًا لِمَا قِيلَ وَفِي غَيْرِهِ لَا خِلَافَ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْبَحْثِ وَمُورِدِهِ فَضْلًا عَنِ الْمُنَافَاةِ. ثُمَّ إِنَّ مَحْصُولَ ذَلِكَ الْمَنْقُولِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي عَبْدِ رَبِّ الْمَالِ خِلَافٌ لَا فِي غَيْرِهِ كَانَ ذِكْرُ عَبْدِ رَبَّ الْمَالِ مَحَلَّ الِاحْتِيَاطِ وَالِاهْتِمَامِ دُونَ ذِكْرِ غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ قَيَّدَ بِهِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَقْدَحُ فِيهِ الْبَحْثُ الْمَذْكُورُ أَصْلًا، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ: وَلِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْئَانِ: عَبْدُ الْمُضَارِبِ، وَالْأَجْنَبِيُّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِاحْتِرَازٍ عَنِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ عَبْدِ الْمُضَارِبِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ حُكْمُ عَبْدِ رَبَّ الْمَالِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ احْتِرَازًا عَنِ الثَّانِي فَإِنَّهُ إِذَا شَرَطَ ذَلِكَ لِلْأَجْنَبِيِّ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَ الْمُضَارِبِ صَحَّ الشَّرْطُ وَالْمُضَارَبَةُ جَمِيعًا وَصَارَتِ الْمُضَارَبَةُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ عَمَلُ الْأَجْنَبِيِّ مَعَهُ صَحَّتِ الْمُضَارَبَةُ مَعَ الْأَوَّلِ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. وَيَجْعَلُ الثُّلْثَ الْمَشْرُوطِ لِلْأَجْنَبِيِّ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَيَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِالْعَمَلِ أَوْ بِضَمَانِ الْعَمَلِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ أَنْ يَحْصُلَ الِاحْتِرَازُ بِقَوْلِهِ: وَلِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ عَنِ الْأَجْنَبِيِّ أَصْلًا، أَيْ: سَوَاءٌ شَرَطَ أَنْ يُعْمَلَ مَعَ الْمُضَارِبِ أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ.
أَمَّا إِذَا شَرْطَ ذَلِكَ فَلِأَنَّ حُكْمَ الْأَجْنَبِيِّ حِينَئِذٍ عَيْنُ حُكْمِ عَبْدِ رَبِّ الْمَالِ؛ حَيْثُ يَصِحُّ الشَّرْطُ وَالْمُضَارَبَةُ جَمِيعًا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الِاحْتِرَازُ مَعَ الِاتِّحَادِ فِي الْحَكَمِ
وَأَمَّا إِذَا لَمْ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فَلِأَنَّهُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ؛ حَيْثُ يُبْطِلُ الشَّرْطَ، لَكِنَّ السَّبَبَ فِيهِ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْعَمَلِ لَا لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا؛ فَالِاحْتِرَازُ عَنْهُ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِقَوْلِهِ: عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ، لَا بُقُولِهِ: وَلِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ وَلِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ ثُلْثَ الرِّبْحِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ وَلِلْأَجْنَبِيِّ ثُلْثَ الرِّبْحِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ لَخَرَجَ الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ الْعَمَلَ مَعَ الْمُضَارِبِ مِنْ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا فَلَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: وَلِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ مَدْخَلٌ فِي الِاحْتِرَازِ عَنْهُ أَصْلًا.
وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: التَّقْيِيدُ بِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي عَبْدِ الْمُضَارِبِ كَذَلِكَ عِنْدَ اشْتِرَاطِ الْعَمَلِ لِدَفْعِ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ يَدَ الْعَبْدِ يَدٌ لِلْمَوْلَى فَيَمْتَنِعُ التَّخْلِيَةُ، فَقَالَ: هُوَ جَائِزٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَقُولُ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ عِنْدِي، وَلَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ؛ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ لِلْعَبْدِ يَدًا مُعْتَبَرَةً خُصُوصًا إِذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا مِنَ التَّسْلِيمِ وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ تَأَمُّلٌ تَقِفُ.
(فَصَلٌ فِي الْعَزْلِ وَالْقِسْمَةِ)
أَيْ فِي عَزْلِ الْمُضَارِبِ وَقِسْمَتِهِ الرِّبْحُ
لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ الْمُضَارَبَةِ وَالرِّبْحِ ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْحُكْمُ الَّذِي يُوجَدُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَزْلَ الْمُضَارِبِ بَعْدَ تَحَقُّقِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ وَكَذَا الْقِسْمَةُ بَعْدَ تَحَقُّقِ مَالِ الرِّبْحِ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا مَاتَ رَبُّ الْمَالِ أَوِ الْمُضَارِبُ بَطَلَتِ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَمَوْتُ الْمُوَكِّلِ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ وَكَذَا مَوْتُ الْوَكِيلِ). قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنَ النِّهَايَةِ: