للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَلَا ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطُّيُورِ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطُّيُورِ وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ». وَقَوْلُهُ مِنْ السِّبَاعِ ذُكِرَ عَقِيبَ النَّوْعَيْنِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا فَيَتَنَاوَلُ سِبَاعَ الطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ لِأَكْلِ مَا لَهُ مِخْلَبٌ أَوْ نَابٌ. وَالسَّبُعُ كُلُّ مُخْتَطِفٍ مُنْتَهِبٍ جَارِحٍ قَاتِلٍ عَادٍ عَادَةً. وَمَعْنَى التَّحْرِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَرَامَةُ بَنِي آدَمَ كَيْ لَا يَعْدُوَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ الذَّمِيمَةِ إلَيْهِمْ بِالْأَكْلِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ حُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي إبَاحَتِهِمَا، وَالْفِيلُ ذُو نَابٍ فَيُكْرَهُ، وَالْيَرْبُوعُ

(فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ)

لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الذَّبَائِحِ شَرَعَ فِي تَفْصِيلِ الْمَأْكُولِ مِنْهَا وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ، إذْ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ شَرْعِيَّةِ الذَّبْحِ، التَّوَصُّلُ إلَى الْأَكْلِ. وَقَدَّمَ الذَّبْحَ لِأَنَّ وَسِيلَةَ الشَّيْءِ تُقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي الذِّكْرِ

(قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ مِنْ السِّبَاعِ ذُكِرَ عَقِيبَ النَّوْعَيْنِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهَا فَيَتَنَاوَلُ سِبَاعَ الطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ لَا كُلِّ مَا لَهُ مِخْلَبٌ أَوْ نَابٌ) قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَهَكَذَا قَرَّرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَنَا فِي هَذَا التَّقْرِيرِ نَظَرٌ لِأَنَّ الثِّقَاتِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ رَوَوْا الْحَدِيثَ بِأَجْمَعِهِمْ بِتَقْدِيمِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ عَلَى كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطُّيُورِ فَلَا يَتَمَشَّى هَذَا التَّقْرِيرُ، وَلَوْ صَحَّتْ تِلْكَ الرِّوَايَةُ فَنَمْنَعُ انْصِرَافَ قَوْلِهِ مِنْ السِّبَاعِ إلَى النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا، لِأَنَّ قَوْلَهُ وَكُلِّ ذِي نَابٍ أَوْلَى بِالِانْصِرَافِ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ انْتَهَى. أَقُولُ: قَوْلُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَكُلِّ ذِي نَابٍ أَوْلَى بِالِانْصِرَافِ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ لَيْسَ بِتَامٍّ، لِأَنَّ كَوْنَهُ أَقْرَبَ إنَّمَا يَقْتَضِي أَوْلَوِيَّةَ انْصِرَافِهِ إلَيْهِ مِنْ انْصِرَافِهِ إلَى أَوَّلِ النَّوْعَيْنِ لَا إلَى النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا، وَمُدَّعَى الشَّيْخَيْنِ انْصِرَافُهُ إلَيْهِمَا مَعًا فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ، وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: بَيَّنَ النَّوْعَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ مِنْ الطُّيُورِ وَهُوَ يَأْبَى أَنْ يَكُونَ الْبَيَانُ الْمَذْكُورُ فِي ذَيْلِ النَّوْعِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ مِنْ السِّبَاعِ مَصْرُوفًا إلَى النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا، إذْ الْمُتَبَادَرُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْبَيَانَيْنِ قَيْدًا لِمَا قُرِنَ بِهِ مِنْ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ مَذْكُورًا بِإِزَاءِ الْآخَرِ فَكَيْفَ يُبْنَى الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ عَلَى مَا هُوَ خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ مِنْ الْكَلَامِ فَتَدَبَّرْ

(قَوْلُهُ وَالسَّبُعُ كُلُّ مُخْتَطِفٍ مُنْتَهِبٍ جَارِحٍ قَاتِلٍ عَادٍ عَادَةً) قَالَ الشُّرَّاحُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الِاخْتِطَافِ وَالِانْتِهَابِ أَنَّ الِاخْتِطَافَ

<<  <  ج: ص:  >  >>