دَعْوَةِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ حُوِّلَتْ الْجِنَايَةُ إلَى الْأُخْرَى وَقَعَ الْقَضَاءُ بِهَا أَوْ لَمْ يَقَعْ، وَلَوْ لَمْ يَخْتَلِفْ حَالُ الْجَانِي وَلَكِنَّ الْعَاقِلَةَ تَبَدَّلَتْ كَانَ الِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ لِوَقْتِ الْقَضَاءِ، فَإِنْ كَانَ قَضَى بِهَا عَلَى الْأُولَى لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى الثَّانِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَضَى بِهَا عَلَى الْأُولَى فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهَا عَلَى الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَاقِلَةُ وَاحِدَةً فَلَحِقَهَا زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ اشْتَرَكُوا فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَبَعْدَهُ إلَّا فِيمَا سَبَقَ أَدَاؤُهُ فَمَنْ أَحْكَمَ هَذَا الْأَصْلَ مُتَأَمِّلًا يُمْكِنُهُ التَّخْرِيجُ فِيمَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ النَّظَائِرِ وَالْأَضْدَادِ.
(كِتَابُ الْوَصَايَا)
الْعِنَايَةِ وَالشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَفْسِيرِ ذَلِكَ أَصْلًا سَائِرُ الشُّرَّاحِ. أَقُولُ: لَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ مَا فَسَّرَهُ بِهِ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحُ الثَّلَاثَةُ كَانَتْ حَوَالَتُهُ هُنَا غَيْرَ رَائِجَةٍ قَطْعًا، إذْ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْفَصْلِ تَحَمُّلَ الْعَاقِلَةِ مَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا تَحَمُّلَهَا دِيَةَ النَّفْسِ لَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَا عِنْدَنَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَتَبَّعَ مَسَائِلَ ذَلِكَ الْفَصْلِ بِرُمَّتِهَا.
قَالَ الشُّرَّاحُ: إيرَادُ كِتَابِ الْوَصَايَا فِي آخِرِ الْكِتَابِ ظَاهِرُ الْمُنَاسَبَةِ، لِأَنَّ آخِرَ أَحْوَالِ الْآدَمِيِّ فِي الدُّنْيَا الْمَوْتُ، وَالْوَصِيَّةُ مُعَامَلَةٌ وَقْتَ الْمَوْتِ. أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ كِتَابَ الْوَصَايَا لَيْسَ بِمُورَدٍ فِي آخِرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا الْمُورَدُ فِي آخِرِهِ كِتَابُ الْخُنْثَى كَمَا تَرَى. نَعَمْ إنَّ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِ التَّصَانِيفِ أَوْرَدُوهُ فِي آخِرِ كُتُبِهِمْ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ مِنْ قِبَلِ الشُّرَّاحِ بِحَمْلِ الْآخِرِ فِي قَوْلِهِمْ فِي آخِرِ الْكِتَابِ عَلَى الْإِضَافِيِّ، فَإِنَّ آخِرَهُ الْحَقِيقِيَّ وَإِنْ كَانَ كِتَابَ الْخُنْثَى إلَّا أَنَّ كِتَابَ الْوَصَايَا أَيْضًا آخِرُهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا قَبْلَهُ حَيْثُ كَانَ فِي قُرْبِ آخِرِهِ الْحَقِيقِيِّ، وَعَنْ هَذَا تَرَى الْقَوْمَ يَقُولُونَ وَقَعَ هَذَا فِي أَوَائِلِ كَذَا وَأَوَاخِرِهِ، فَإِنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ لَا تَتَمَشَّى فِي الْأَوَّلِ الْحَقِيقِيِّ وَالْآخِرِ الْحَقِيقِيِّ، وَإِنَّمَا الْمُخَلِّصُ مِنْ ذَلِكَ تَعْمِيمُ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ لِلْحَقِيقِيِّ وَالْإِضَافِيِّ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَيْضًا: لَمَّا كَانَ مَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْخُنْثَى نَادِرًا مِنْ حَيْثُ الْوُقُوعُ وَمِنْ حَيْثُ الْمَسَائِلُ أَيْضًا جَعَلُوهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute