بَابُ الْإِجَارَةِ عَلَى أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ
(وَإِذَا قَالَ لِلْخَيَّاطِ إنْ خِطْتَ هَذَا الثَّوْبَ فَارِسِيًّا فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْته رُومِيًّا فَبِدِرْهَمَيْنِ جَازَ، وَأَيَّ عَمَلٍ مِنْ هَذَيْنِ الْعَمَلَيْنِ عَمِلَ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ بِهِ) وَكَذَا إذَا قَالَ لِلصَّبَّاغِ إنْ صَبَغْته بِعُصْفُرٍ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ صَبَغْتَهُ بِزَعْفَرَانٍ فَبِدِرْهَمَيْنِ، وَكَذَا إذَا خَيَّرَهُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ بِأَنْ قَالَ: آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِخَمْسَةٍ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ الْأُخْرَى بِعَشَرَةٍ، وَكَذَا إذَا خَيَّرَهُ بَيْنَ مَسَافَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ بِأَنْ قَالَ: آجَرْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى الْكُوفَةِ بِكَذَا أَوْ إلَى وَاسِطَ بِكَذَا، وَكَذَا إذَا خَيَّرَهُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، وَإِنْ خَيَّرَهُ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ لَمْ يَجُزْ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْبَيْعُ وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ، وَفِي الْإِجَارَةِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ إنَّمَا يَجِبُ بِالْعَمَلِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَصِيرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا، وَفِي الْبَيْعِ يَجِبُ الثَّمَنُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَتَتَحَقَّقُ الْجَهَالَةُ عَلَى وَجْهٍ لَا تَرْتَفِعُ الْمُنَازَعَةُ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ (وَلَوْ قَالَ: إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْته غَدًا فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ،
(بَابُ الْإِجَارَةِ عَلَى أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ)
لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْإِجَارَةِ عَلَى شَرْطٍ وَاحِدٍ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ الْإِجَارَةَ عَلَى أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ قَبْلَ الِاثْنَيْنِ (قَوْلُهُ: غَيْرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ وَفِي الْإِجَارَةِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، إلَى قَوْلِهِ فَتَتَحَقَّقُ الْجَهَالَةُ عَلَى وَجْهٍ لَا تَرْتَفِعُ الْمُنَازَعَةُ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ) اسْتَشْكَلَ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ هَذَا الْفَرْقَ حَيْثُ قَالَ: أَقُولُ الْجَهَالَةُ الَّتِي فِي طَرَفِ الْأُجْرَةِ تَرْتَفِعُ كَمَا ذَكَرُوا، وَأَمَّا الْجَهَالَةُ الَّتِي فِي طَرَفِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً بِخَمْسَةٍ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ بِعَشَرَةٍ فَهِيَ ثَابِتَةٌ، وَهِيَ تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ فِي تَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَتَسَلُّمِهِ، إذْ الْمُسْتَأْجِرُ يُرِيدُ هَذَا وَالْمُؤَجِّرُ يَدْفَعُ الْآخَرَ فَيَتَحَقَّقُ النِّزَاعُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ بِدُونِ شَرْطِ خِيَارِ التَّعْيِينِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَجَابَ عَنْهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ الِاسْتِشْكَالِ فِي صُورَةِ أَنْ يَكُونَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنْ يُقَالَ: إنَّ الثَّمَنَ يَجِبُ فِي بَابِ الْبَيْعِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَلَا تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ الْمُفْضِيَةُ إلَى النِّزَاعِ حِينَ وُجُوبِ الثَّمَنِ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ، وَالْأُجْرَةُ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ لَا تَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بَلْ بِالْعَمَلِ، وَعِنْدَ وُجُودِ الْعَمَلِ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ لَا مَحَالَةَ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ. إلَى هُنَا كَلَامُهُ.
أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا الْجَوَابُ بِشَيْءٍ إذْ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ زَائِدٌ عَلَى مَا ذَكَرُوا فِي الْفَرْقِ هَاهُنَا، وَالْإِشْكَالُ الْمَزْبُورُ إنَّمَا يُتَّجَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْجَهَالَةَ الَّتِي فِي طَرَفِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ فِي تَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَتَسَلُّمِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute