بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ
قَالَ (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَيَقْبِضَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَكَاتَبَ وَقَبَضَ بَعْضَ الْأَلْفِ ثُمَّ عَجَزَ فَالْمَالُ لِلَّذِي قَبَضَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هُوَ مُكَاتَبٌ بَيْنَهُمَا وَمَا أَدَّى
نَفْسُهَا أَصْلًا فِي الْكِتَابَةِ وَأَوْلَادُهَا تَبَعًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى اهـ مَعَ أَنَّ ثُبُوتَ الْجَوَازِ هُنَاكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ دُونَ الْقِيَاسِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ أَرَادَ بِوَجْهِ الْقِيَاسِ هَاهُنَا ثُبُوتَ وِلَايَةِ الْمُكَاتَبَةِ عَلَى أَوْلَادِهَا كَثُبُوتِهَا عَلَى نَفْسِهَا فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ قَدْ صَرَّحُوا قَاطِبَةً بِأَنَّ الْأُمَّ الْحُرَّةَ لَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَى أَوْلَادِهَا فَكَيْفَ بِالْأَمَةِ، وَقَالُوا: هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَمَةِ.
إذْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْعَبْدِ لَرُبَّمَا تُوُهِّمَ أَنَّ الْجَوَازَ لِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْأَبِ عَلَيْهِمَا فَلَا يُعْلَمُ تَسَاوِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ)
لَمَّا فَرَغَ مِنْ كِتَابَةِ عَبْدٍ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ شَرَعَ فِي كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
وَقَالَ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ: ذَكَرَ كِتَابَةَ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ كِتَابَةِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ. أَقُولُ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ، لِأَنَّ الْوَجْهَ الثَّانِي لَا يَتَمَشَّى فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ هَذَا الْبَابِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ تَقِفْ (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ) قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ وَهِيَ أَوْلَى اهـ. أَقُولُ: وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَعُمُّ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَمَا إذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أَوْ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ، وَلَفْظُ شَرِيكَيْنِ يَنْتَظِمُ الْكُلَّ.
إمَّا بِجَعْلِ الشَّرِيكِ فَعِيلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنْ شَرِكَهُ فِي كَذَا فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَشَارِكَيْنِ فِي أَمْرٍ شَارِكٌ فِيهِ وَمَشْرُوكٌ وَالْفَعِيلُ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، أَوْ بِصَيْرُورَةِ لَفْظِ الشَّرِيكِ مِنْ عِدَادِ الْأَسْمَاءِ الْجَامِدَةِ كَمَا قَالُوا فِي لَفْظِ التَّابِعِ وَنَحْوِهِ حَتَّى جَعَلُوا التَّوَابِعَ جَمْعَ تَابِعٍ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ فَيَتَنَاوَلُ الْمُذَكَّرَ وَالْمُؤَنَّثَ عَلَى السَّوِيَّةِ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ لَمَّا أَخَذَ بِنُسْخَةِ: بَيْنَ شَرِيكَيْنِ حَيْثُ قَالَ: قَالَ: وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَسَّرَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَوْلَهُ شَرِيكَيْنِ بِرَجُلَيْنِ حَيْثُ قَالَ: أَيْ بَيْنَ رَجُلَيْنِ.
أَقُولُ: هَذَا أَمْرٌ عَجِيبٌ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَتَخْصِيصُ لَفْظٍ يَتَحَمَّلُ الْعُمُومَ لِلرَّجُلَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِالرَّجُلَيْنِ مِمَّا لَا وَجْهَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute