للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالشَّفَةُ إذَا كَانَ يَأْتِي عَلَى الْمَاءِ كُلِّهِ بِأَنْ كَانَ جَدْوَلًا صَغِيرًا. وَفِيمَا يَرِدُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْمَوَاشِي كَثْرَةٌ يَنْقَطِعُ الْمَاءُ بِشُرْبِهَا قِيلَ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِبِلَ لَا تَرِدُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَصَارَ كَالْمُيَاوَمَةِ وَهُوَ سَبِيلٌ فِي قِسْمَةِ الشِّرْبِ. وَقِيلَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ اعْتِبَارًا: بِسَقْيِ الْمَزَارِعِ وَالْمَشَاجِرِ وَالْجَامِعُ تَفْوِيتُ حَقِّهِ، وَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الْمَاءَ مِنْهُ لِلْوُضُوءِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ فِي الصَّحِيحِ،؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِيهِ كَمَا قِيلَ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْقِيَ شَجَرًا أَوْ خَضِرًا فِي دَارِهِ حَمْلًا بِجِرَارِهِ لَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَوَسَّعُونَ فِيهِ وَيَعُدُّونَ الْمَنْعَ مِنْ الدَّنَاءَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ وَنَخْلَهُ وَشَجَرَهُ مِنْ نَهْرِ هَذَا الرَّجُلِ وَبِئْرِهِ وَقَنَاتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ نَصًّا، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مَتَى دَخَلَ فِي الْمَقَاسِمِ انْقَطَعَتْ شِرْكَةُ الشِّرْبِ بِوَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ فِي إبْقَائِهِ قَطْعَ شِرْبَ صَاحِبِهِ، وَلِأَنَّ الْمَسِيلَ حَقُّ صَاحِبِ النَّهْرِ، وَالضِّفَّةِ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّهُ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّسْيِيلُ فِيهِ وَلَا شَقُّ الضِّفَّةِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُهُ فِي ذَلِكَ أَوْ أَعَارَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَتُجْرَى فِيهِ الْإِبَاحَةُ كَالْمَاءِ الْمُحَرَّزِ فِي إنَائِهِ.

فَصْلٌ فِي كَرْيِ الْأَنْهَارِ

قَالَ : الْأَنْهَارُ ثَلَاثَةٌ: نَهْرٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ وَلَمْ يَدْخُلْ مَاؤُهُ فِي الْمَقَاسِمِ بَعْدُ كَالْفُرَاتِ وَنَحْوِهِ،

الْمُحْرَزَ فِي الْأَوَانِي مِلْكٌ مَخْصُوصٌ لِمُحْرِزِهِ كَمَا قِيلَ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُورِثَ شُبْهَةً فِيمَا لَوْ سَرَقَ إنْسَانٌ مَاءً مُحْرَزًا فِي الْأَوَّلِ كَمَا لَا تُورِثُهَا الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ.

فَالْحَقُّ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ الِاعْتِرَاضِ مَا ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قُلْت: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ السَّارِقُ نَظَرًا إلَى قَوْله تَعَالَى ﴿خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾ قُلْت: مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي انْقِسَامَ الْآحَادِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ وقَوْله تَعَالَى ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ وَلَا يَجُوزُ الزَّائِدُ عَلَى الْأَرْبَعِ، فَكَذَا مَعْنَى الْآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ خَلَقَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا وَقَعَ فِي يَدِهِ لَا كُلَّ الْأَشْيَاءِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَثْبَتَ الْحَدِيثُ الشِّرْكَةَ لِلنَّاسِ عَامًّا اهـ.

(فَصْلٌ فِي كَرْيِ الْأَنْهَارِ)

قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ مَسَائِلِ الشُّرْبِ احْتَاجَ إلَى ذِكْرِ مُؤْنَةِ كَرْيِ الْأَنْهَارِ الَّتِي كَانَ الشُّرْبُ مِنْهَا، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ مُؤْنَةُ الْكَرْيِ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى النَّهْرِ إذْ النَّهْرُ يُوجَدُ بِدُونِ مُؤْنَةِ الْكَرْيِ كَالنَّهْرِ الْعَامِّ أَخَّرَ ذِكْرَهُ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>