للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(بَابُ الْيَمِينِ)

(وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ وَطَلَبَ الْيَمِينَ لَمْ يُسْتَحْلَفْ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، مَعْنَاهُ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ

بَابُ الْيَمِينِ)

قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهَذَا التَّرْتِيبُ مِنْ التَّرْتِيبِ الْوُجُودِيِّ لِمَا أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْيَمِينِ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، فَلَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الْبَيِّنَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ حُكْمَ الْيَمِينِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ مَشْرُوعِيَّةِ الْيَمِينِ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا يَجْرِي عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةٍ كَمَا سَيَظْهَرُ فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ، فَلَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرَهُ وَجْهًا جَامِعًا لِأَقْوَالِ أَئِمَّتِنَا، عَلَى أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ فِيمَا تَقَدَّمَ حَالَ الْبَيِّنَةِ إجْمَالًا ذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا حَالَ الْيَمِينِ إجْمَالًا، فَهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي الذِّكْرِ الْإِجْمَالِيِّ فِيمَا قَبْلَ هَذَا الْبَابِ، وَأَمَّا تَفَاصِيلُ أَحْكَامِ الْبَيِّنَاتِ فَتُذْكَرُ فِيمَا بَعْدَ هَذَا الْبَابِ كَمَا تُذْكَرُ تَفَاصِيلُ أَحْكَامِ الْيَمِينِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَلَمْ يَظْهَرْ كَوْنُ تَرْتِيبِ الْكِتَابِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْوُجُودِيِّ؛ فَالْأَوْلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْخَصْمَ إذَا أَنْكَرَ الدَّعْوَى وَعَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَطَلَبِ الْيَمِينِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْيَمِينِ انْتَهَى.

وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: أَقُولُ مَا كَانَ يَحْتَاجُ هَاهُنَا إلَى الْفَصْلِ بِالْبَابِ، بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَسُوقَ الْكَلَامَ مُتَوَالِيًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ صِحَّةَ الدَّعْوَى رَتَّبَ عَلَيْهَا الْحُكْمَ بِالْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: قُلْت الَّذِي رَتَّبَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْيَمِينُ مَشْرُوعَةً بَعْدَ فَقْدِ الْبَيِّنَةِ تَعَيَّنَ ذِكْرُهَا بَعْدَهَا بِأَحْكَامِهَا وَشَرَائِطِهَا انْتَهَى.

أَقُولُ: هَذَا الْكَلَامُ مِنْهُ فِي مَعْرِضِ الْجَوَابِ عَمَّا نَقَلَهُ مِنْ الْعَجَائِبِ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَقْبَحَهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّمَا هُوَ الْفَصْلُ بِالْبَابِ لَا ذِكْرُ الْيَمِينِ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ: بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَسُوقَ الْكَلَامَ مُتَوَالِيًا، فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ مِمَّا لَا مِسَاسَ لَهُ بِدَفْعِ مَا اسْتَقْبَحَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ فَكَأَنَّهُ مَا فَهِمَ مَعْنَى صَرِيحِ كَلَامِهِ.

ثُمَّ أَقُولُ فِي دَفْعِ ذَلِكَ: إنَّ إفْرَادَ بَعْضِ الْمَسَائِلِ مِنْ بَيْنِ أَخَوَاتِهَا بِوَضْعِ بَابٍ مُسْتَقِلٍّ لَهَا أَوْ كِتَابٍ أَوْ فَصْلٍ لِكَثْرَةِ مَبَاحِثِهَا وَأَحْكَامِهَا، أَوْ لِتَعَلُّقِ غَرَضٍ آخَرَ بِاسْتِقْلَالِهَا كَإِفْرَادِ الطَّهَارَةِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ بِوَضْعِ كِتَابٍ مُسْتَقِلٍّ لَهَا وَغَيْرِهَا مِمَّا لَهُ بَابٌ مُسْتَقِلٌّ أَوْ فَصْلٌ مُسْتَقِلٌّ شَائِعٌ ذَائِعٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَهَذَا الْبَابُ أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ، وَلِهَذَا تَرَى الثِّقَاتِ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ مِنْ الْفَتَاوَى وَغَيْرِهَا جَرَوْا عَلَى إفْرَادِ مَسَائِلِ الْيَمِينِ بِبَابٍ أَوْ فَصْلٍ مُسْتَقِلٍّ فَلَيْسَ مَا صَنَعَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا بِمَحَلِّ اسْتِقْبَاحٍ وَلَا اسْتِبْعَادٍ كَمَا لَا يَخْفَى (وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ وَطَلَبَ الْيَمِينَ لَمْ يُسْتَحْلَفْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعْنَاهُ حَاضِرَةً فِي الْمِصْرِ) أَيْ مَعْنَى قَوْلِ الْقُدُورِيِّ: إذَا قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ. وَاحْتُرِزَ بِهَذَا الْقَيْدِ عَنْ الْبَيِّنَةِ الْحَاضِرَةِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ إذَا حَضَرَتْ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَمْ يُسْتَحْلَفْ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (فِيمَا سَيَأْتِي) كَمَا إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ حَاضِرَةً فِي الْمَجْلِسِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ (حَاضِرَةً) عَنْ الْبَيِّنَةِ الْغَائِبَةِ عَنْ الْغَائِبَةِ عَنْ الْمِصْرِ، فَإِنَّهَا إذَا غَابَتْ عَنْ الْمِصْرِ يُسْتَحْلَفُ بِالِاتِّفَاقِ، ثُمَّ إنَّ الظَّاهِرَ كَانَ أَنْ يَقْرِنَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ (مَعْنَاهُ حَاضِرَةً فِي الْمِصْرِ) بِذِكْرِ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ (إذَا قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ) (وَقَدْ أَخَّرَهُ عَنْ ذِكْرِ قَوْلِهِ) وَطَلَبَ الْيَمِينَ لَمْ يُسْتَحْلَفْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>