للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَأَلَّا يَنَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الثَّوَابَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ صَادِقًا، وَلَا يَتَضَرَّرُ بِهِ بِوَجْهٍ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِي الْكَافِي: ثُمَّ إنَّمَا رَتَّبَ الْيَمِينَ عَلَى الْبَيِّنَةِ لَا عَلَى الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِمُوجِبَةٍ اسْتِحْقَاقَ الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى لِأَنَّ فِيهِ إسَاءَةَ الظَّنِّ بِالْآخَرِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَوَجَبَ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي لِإِثْبَاتِ اسْتِحْقَاقِهِ بِهَا، فَيُطَالِبُهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى وَجْهِ التَّذْكِيرِ لَهُ، فَلَوْ قَدَّمْنَا الْيَمِينَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَظَرٌ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، إذْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ مَشْرُوعَةٌ بَعْدَ الْيَمِينِ، فَلَوْ حَلَّفْنَاهُ أَوَّلًا ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ افْتَضَحَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ انْتَهَى.

وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي النِّهَايَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَبَيَّنَ وَجْهَ النَّظَرِ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ: وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّرْعَ لَوْ وَرَدَ بِتَقْدِيمِ الْيَمِينِ لَمَا كَانَتْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ ذَلِكَ مَشْرُوعَةً، كَمَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَإِنَّ الْيَمِينَ بَعْدَهَا لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ اهـ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: قَوْلُهُ لَمَّا كَانَتْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ ذَلِكَ مَشْرُوعَةً فِيهِ بَحْثٌ، بَلْ تَكُونُ مَشْرُوعِيَّةُ الْبَيِّنَةِ إذَا عَجَزَ عَنْ الْيَمِينِ بِأَنْ نَكَلَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.

أَقُولُ: بَحْثُهُ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ لَمَّا كَانَتْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْيَمِينِ وَصُدُورِهِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَشْرُوعَةً يُرْشِدُ إلَيْهِ قَطْعًا قَوْلُهُ كَمَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَإِنَّ الْيَمِينَ بَعْدَهَا لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ، وَمُرَادُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ إذْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ مَشْرُوعَةٌ بَعْدَ الْيَمِينِ مَشْرُوعِيَّةَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْيَمِينِ وَصُدُورِهِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ افْتِضَاحَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ إنَّمَا يَلْزَمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، فَاحْتِمَالُ كَوْنِ مَشْرُوعِيَّةِ الْبَيِّنَةِ إذَا عَجَزَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ بِأَنْ نَكَلَ لَا يُفِيدُ فِي دَفْعِ نَظَرِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ عَمَّا قَالَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، عَلَى أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّ النُّكُولَ عَنْ الْيَمِينِ لَيْسَ بِعَجْزٍ عَنْهَا، إذْ هُوَ حَالَةٌ اخْتِيَارِيَّةٌ دَالَّةٌ عَلَى صِدْقِ الْمُدَّعِي، بِخِلَافِ الْعَجْزِ عَنْ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى.

ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ نَظَرٌ آخَرُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ، وَهُوَ مَشْرُوعِيَّةُ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الْيَمِينِ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ افْتِضَاحُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ مَحْذُورًا شَرْعِيًّا؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الْيَمِينِ تَسْتَلْزِمُ الِافْتِضَاحَ الْمَزْبُورَ، وَمَشْرُوعِيَّةُ إقَامَتِهَا بَعْدَ الْيَمِينِ تَقْتَضِي حُسْنَهَا، فَإِنَّ كُلَّ مَا هُوَ مَشْرُوعٌ فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَنَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا يَسْتَلْزِمُ الْحُسْنَ الشَّرْعِيَّ فَهُوَ حُسْنٌ شَرْعِيُّ أَيْضًا فَلَا يَصِيرُ الِافْتِضَاحُ الْمَزْبُورُ مَحْذُورًا شَرْعِيًّا فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ فَتَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>