كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ
(كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ)
أَوْرَدَ الْأُضْحِيَّةَ عَقِيبَ الذَّبَائِحِ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ ذَبِيحَةٌ خَاصَّةٌ وَالْخَاصُّ بَعْدَ الْعَامِّ، كَذَا قَالُوا. أَقُولُ: فِيهِ مُنَاقَشَةٌ هِيَ أَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا أَنَّ الْخَاصَّ يَكُونُ بَعْدَ الْعَامِّ فِي الْوُجُودِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لَا وُجُودَ لِلْعَامِّ إلَّا فِي ضِمْنِ الْخَاصِّ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ الْخَاصَّ يَكُونُ بَعْدَ الْعَامِّ فِي التَّعَقُّلِ فَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْعَامُّ ذَاتِيًّا لِلْخَاصِّ وَكَانَ الْخَاصُّ مَعْقُولًا بِالْكُنْهِ كَمَا عُرِفَ، وَكَوْنُ الْأَمْرِ كَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَمْنُوعٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: تَمْيِيزُ الذَّاتِيِّ مِنْ الْعَرَضِيِّ إنَّمَا يَتَعَسَّرُ فِي حَقَائِقِ النَّفْسِ الْأَمْرِيَّةِ.
وَأَمَّا فِي الْأُمُورِ الْوَضْعِيَّةِ وَالِاعْتِبَارِيَّة كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَكُلُّ مَا اُعْتُبِرَ دَاخِلًا فِي مَفْهُومِ شَيْءٍ يَصِيرُ ذَاتِيًّا لِذَلِكَ الشَّيْءِ، وَيَكُونُ تَصَوُّرُ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِالْأُمُورِ الدَّاخِلَةِ فِي مَفْهُومِهِ تَصَوُّرًا لَهُ بِالْكُنْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى الذَّبْحِ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى الْأُضْحِيَّةِ لُغَةً وَشَرِيعَةً فَيَتَوَقَّفُ تَعَقُّلُهَا عَلَى تَعَقُّلِ مَعْنَى الذَّبْحِ فَيَتِمُّ التَّقْرِيبُ عَلَى اخْتِيَارِ الشِّقِّ الثَّانِي تَأَمَّلْ تَقِفْ.
ثُمَّ إنَّ بَيَانَ مَعْنَى الْأُضْحِيَّةِ لُغَةً وَشَرِيعَةً قَدْ اخْتَلَفَتْ فِيهِ عِبَارَاتُ الشُّرَّاحِ، فَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: أَمَّا لُغَةً فَالْأُضْحِيَّةُ اسْمُ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا تُذْبَحُ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَوْعُ مُخَالَفَةٍ لِمَا ذُكِرَ فِي مَشَاهِيرِ كُتُبِ اللُّغَةِ مِنْ الْقَامُوسِ وَالصِّحَاحِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ شَاةٌ تُذْبَحُ يَوْمَ الْأَضْحَى وَلَمْ يُذْكَرْ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا عُمُومُ الْأُضْحِيَّةِ لِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ الشَّاةِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ لَفْظُ وَنَحْوِهَا فِي عِبَارَةِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: الْأُضْحِيَّةُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ مَا يُذْبَحُ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى انْتَهَى.
أَقُولُ: فِيهِ سَمَاحَةٌ ظَاهِرَةٌ، فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا يُذْبَحُ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى مِنْ مِثْلِ الدَّجَاجَةِ وَالْحَمَامَةِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْأُضْحِيَّةِ لَا بِحَسَبِ الشَّرْعِ وَلَا بِحَسَبِ اللُّغَةِ وَقَالَ صَاحِبَا الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ: هِيَ مَا يُضَحَّى بِهَا: أَيْ يُذْبَحُ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ بَيِّنٌ، فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا يُذْبَحُ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا هَذَا مَعْنَى الذَّبِيحَةِ مُطْلَقًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ أَخَصُّ مِنْهَا. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute