للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ : تَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى الْمَكْرُوهِ. وَالْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ نَصًّا أَنَّ كُلَّ مَكْرُوهٍ حَرَامٌ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِدْ فِيهِ نَصًّا قَاطِعًا لَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهِ لَفْظَ الْحَرَامِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ، وَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى فُصُولٍ مِنْهَا:

فَصْلٌ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ

(قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يُكْرَهُ لُحُومُ الْأُتُنِ وَأَلْبَانُهَا وَأَبْوَالُ الْإِبِلِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا بَأْسَ بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ)

كَرِهَ الشَّيْءَ كَرْهًا وَكَرَاهَةً وَكَرَاهِيَةً، قَالَ فِي الْمِيزَانِ: هِيَ ضِدُّ الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾ فَالْمَكْرُوهُ خِلَافُ الْمَنْدُوبِ وَالْمَحْبُوبِ لُغَةً، وَالْكَرَاهَةُ لَيْسَتْ بِضِدٍّ لِلْإِرَادَةِ عِنْدَنَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَارِهٌ لِلْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي: أَيْ لَيْسَ بِرَاضٍ بِهِمَا وَلَا مُحِبٍّ لَهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْكُفْرُ وَالْمَعَاصِي بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتِهِ. وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ هِيَ ضِدُّ الْإِرَادَةِ أَيْضًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْكَلَامِ، وَأَمَّا مَعْنَى الْكَرَاهِيَةِ فِي الشَّرِيعَةِ فَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ قَالَ : تَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى الْمَكْرُوهِ) يَعْنِي اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّرْعِ فِي مَعْنَى الْمَكْرُوهِ، فَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَكْرُوهٍ حَرَامٌ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِدْ فِيهِ نَصًّا قَاطِعًا لَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهِ لَفْظَ الْحَرَامِ فَكَانَ نِسْبَةُ الْمَكْرُوهِ إلَى الْحَرَامِ عِنْدَهُ كَنِسْبَةِ الْوَاجِبِ إلَى الْفَرْضِ فِي أَنَّ الْأَوَّلَ ثَابِتٌ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَالثَّانِيَ ثَابِتٌ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ. ثُمَّ إنَّ هَذَا حَدُّ الْمَكْرُوهِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، وَأَمَّا كَرَاهَةُ الْمَكْرُوهِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ فَإِلَى الْحِلِّ أَقْرَبُ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا ذَكَرُوا فِي الْكُتُبِ، وَلِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ هُنَا كَلِمَاتٌ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ لَا حَاصِلَ لَهَا تَرَكْنَا التَّعَرُّضَ لَهَا لِمَا فِي تَضَاعِيفِهَا مِنْ الِاخْتِلَالِ كَرَاهَةَ الْإِطْنَابِ

(قَوْلُهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُكْرَهُ لُحُومُ الْأُتُنِ وَأَلْبَانُهَا وَأَبْوَالُ الْإِبِلِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا بَأْسَ بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ: خَصَّ الْأُتُنَ مَعَ كَرَاهَةِ لَحْمِ سَائِرِ الْحُمُرِ لِيَسْتَقِيمَ عَطْفُ الْأَلْبَانِ عَلَيْهِ، إذْ اللَّبَنُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الْأَتَانِ انْتَهَى.

يَعْنُونَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ تُكْرَهُ لُحُومُ الْحُمُرِ وَأَلْبَانُهَا لَرَجَعَ الضَّمِيرُ فِي أَلْبَانِهَا إلَى الْحُمُرِ الْمَذْكُورِ فِيمَا قِيلَ، وَذَلِكَ يَعُمُّ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ، فَلَا يَسْتَقِيمُ عَطْفُ الْأَلْبَانِ مُضَافَةً إلَى الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إلَى مُطْلَقِ الْجَرِّ عَلَى مَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْأَلْبَانَ لَا تُتَصَوَّرُ فِي ذُكُورِ الْحُمُرِ، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِي إنَاثِهَا الَّتِي هِيَ الْأُتُنُ. نَعَمْ يُمْكِنُ تَصْحِيحُ ذَلِكَ أَيْضًا بِتَقْدِيرٍ وَتَأْوِيلٍ، لَكِنَّ مُرَادَهُمْ عَدَمُ اسْتِقَامَةِ ذَلِكَ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ التَّرْكِيبِ فَسَقَطَتْ عَنْ كَلَامِهِمْ مُؤَاخَذَةُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ: وَإِنَّمَا خَصَّ كَرَاهَةَ لَحْمِ الْأُتُنِ بِالذِّكْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ كَرَاهَةَ لَحْمِ غَيْرِهَا مِمَّا سَبَقَ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ، لِأَنَّهُ لَمَّا عَنْوَنَ الْفَصْلَ بِأَنَّهُ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الذَّبَائِحِ جَمِيعَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلَوْ أَعَادَ كُلَّهَا يَلْزَمُ التَّكْرَارُ فَذَكَرَ بَعْضًا مِنْهَا تَذْكِيرًا لِلْبَوَاقِي انْتَهَى.

أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا مِمَّا يُعْتَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ عِنْوَانِ الْفَصْلِ بِأَنَّهُ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَصْلًا، فَإِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>