للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ

قَالَ (لَا يَحِلُّ لِلرِّجَالِ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَيَحِلُّ لِلنِّسَاءِ) «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَقَالَ: إنَّمَا يَلْبَسُهُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» وَإِنَّمَا حَلَّ لِلنِّسَاءِ بِحَدِيثٍ آخَرَ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ عِدَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ «أَنَّ النَّبِيَّ خَرَجَ وَبِإِحْدَى يَدَيْهِ حَرِيرٌ وَبِالْأُخْرَى ذَهَبٌ وَقَالَ: هَذَانِ مُحَرَّمَانِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حَلَالٌ لِإِنَاثِهِمْ» وَيُرْوَى «حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ»

(فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ)

قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: لَمَّا ذَكَرَ مُقَدِّمَاتِ مَسَائِلِ الْكَرَاهِيَةِ ذَكَرَ مَا يَتَوَارَدُ عَلَى الْإِنْسَانِ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِالْفُصُولِ فَقَدَّمَ اللُّبْسَ عَلَى الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَى اللُّبْسِ أَشَدُّ مِنْهُ إلَى الْوَطْءِ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلَكِنْ بِعِبَارَةٍ أَقْصَرَ.

أَقُولُ: صُدُورُ هَذَا التَّوْجِيهِ مِنْهُمَا فِي غَايَةِ الِاسْتِبْعَادِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ الْغَفْلَةُ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ الْمَعْقُودِ لِبَيَانِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِيهِ مِنْ مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مَقْصُودَةٍ بِالذَّاتِ غَيْرِ صَالِحَةٍ لَأَنْ تَكُونَ مِنْ مُقَدِّمَاتِ مَسَائِلِ الْكَرَاهِيَةِ كَمَا تَرَى. وَالصَّوَابُ فِي وَجْهِ التَّرْتِيبِ أَنْ يُقَالَ: قَدَّمَ فَصْلَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ؛ لِأَنَّ احْتِيَاجَ الْإِنْسَانِ إلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَشَدُّ، وَعَقَّبَهُ بِفَصْلِ اللُّبْسِ فَقَدَّمَهُ عَلَى فَصْلِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ احْتِيَاجَ الْإِنْسَانِ إلَى اللُّبْسِ أَكْثَرُ مِنْ احْتِيَاجِهِ إلَى الْوَطْءِ لِتَحَقُّقِ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ دُونَ الثَّانِي، وَقَدْ أُشِيرَ إلَى هَذَا التَّوْجِيهِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا حَلَّ لِلنِّسَاءِ بِحَدِيثٍ آخَرَ وَهُوَ مَا رَوَاهُ عِدَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَى آخِرِهِ) لَمَّا ذَكَرَ حُرْمَةَ لُبْسِ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ وَحِلَّهُ لِلنِّسَاءِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى الْحُرْمَةِ بِمَا يَعُمُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ: وَإِنَّمَا حَلَّ لِلنِّسَاءِ بِحَدِيثٍ آخَرَ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُحَرَّمُ وَالْمُبِيحُ إذَا اجْتَمَعَا يُجْعَلُ الْمُحَرَّمُ مُتَأَخِّرًا كَيْ لَا يَلْزَمُ النَّسْخُ مَرَّتَيْنِ، وَهُنَا لَوْ تَأَخَّرَ قَوْلُهُ هَذَانِ حَرَامَانِ الْحَدِيثَ، يَلْزَمُ النَّسْخُ مَرَّتَيْنِ فِي حَقِّ الْإِنَاثِ فَيَجْعَلُ قَوْلَهُ «حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ» مُقَدَّمًا.

قُلْنَا: قَوْلُهُ «إنَّمَا يَلْبَسُهُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ «حَرَامَانِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي»؛ لِأَنَّ هَذَا وَعِيدٌ لَا بَيَانُ حُكْمٍ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَقْلِيلًا لِلنَّسْخِ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ " هَذَانِ حَرَامَانِ " الْحَدِيثُ نَصٌّ لِبَيَانِ التَّفْرِقَةِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>