للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(إلَّا أَنَّ الْقَلِيلَ عَفْوٌ وَهُوَ مِقْدَارُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ أَوْ أَرْبَعَةٍ كَالْأَعْلَامِ وَالْمَكْفُوفِ بِالْحَرِيرِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا مَوْضِعَ إصْبَعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ» أَرَادَ الْأَعْلَامَ.

وَعَنْهُ «أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ جُبَّةً مَكْفُوفَةً بِالْحَرِيرِ»

. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِتَوَسُّدِهِ وَالنَّوْمِ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يُكْرَهُ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ،

حَقِّ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ. وَقَوْلُهُ «إنَّمَا يَلْبَسُهُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» لِبَيَانِ الْوَعِيدِ فِي حَقِّ مَنْ لَبِسَ الْحَرَامَ فَكَانَا كَالظَّاهِرِ وَالنَّصِّ، وَالنَّصُّ رَاجِحٌ عَلَى الظَّاهِرِ. أَوْ نَقُولُ: الدَّلِيلُ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى الْحِلِّ لِلْإِنَاثِ مُتَأَخِّرٌ، وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْإِنَاثِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَهَذَا آيَةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى تَأَخُّرِهِ، كَذَا ذُكِرَ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ فِي شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ وَالْكِفَايَةِ.

قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَقْرِيرِ السُّؤَالِ: وَالْجَوَابُ هُنَا. فَإِنْ قِيلَ: الْحَدِيثُ الدَّالُّ عَلَى حِلِّهِ لَهُنَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْأَوَّلِ فَيُنْسَخُ بِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَيَتَعَارَضَانِ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ كَالْخَاصِّ فِي إفَادَةِ الْقَطْعِ عِنْدَنَا أَوْ لَا يُعْلَمُ التَّارِيخُ فَيُجْعَلُ الْمُحَرَّمَ مُتَأَخِّرًا لِئَلَّا يَلْزَمَ النَّسْخُ مَرَّتَيْنِ.

فَالْجَوَابُ أَنَّهُ بَعْدَهُ بِدَلِيلِ اسْتِعْمَالِهِنَّ إيَّاهُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَذَلِكَ آيَةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى تَأَخُّرِهِ فَيُنْسَخُ بِهِ الْمُحَرَّمُ، وَتَكْرَارُ النَّسْخِ بِالدَّلِيلِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: تَقْرِيرُ السُّؤَالِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ التَّرْدِيدَ الْمُثَلَّثَ الْمَذْكُورَ فِيهِ قَبِيحٌ جِدًّا بَلْ مُخْتَلُّ الْمَعْنَى، فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الشِّقِّ الثَّانِي فَيَتَعَارَضَانِ أَنَّهُمَا حِينَئِذٍ يَتَعَارَضَانِ فَيَتَسَاقَطَانِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ الْمُؤَخَّرُ يَكُونُ نَاسِخًا لِلْمُقَدَّمِ أَلْبَتَّةَ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَالتَّسَاوِي فِي الْقُوَّةِ، وَإِنَّمَا التَّسَاقُطُ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ التَّارِيخُ، وَلَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِطَلَبِ الْمُخَلِّصِ كَمَا تَقَرَّرَ كُلُّ ذَلِكَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ وَيَكُونُ الْمُؤَخَّرُ نَاسِخًا لِلْمُقَدَّمِ فَهُوَ يَدْفَعُ السُّؤَالَ عَنْ الْمَقَامِ فَلَا وَجْهَ لِدَرْجِهِ فِي جَانِبِ السُّؤَالِ.

وَأَقُولُ: فِي الْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَيْضًا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الشُّرُوحِ وَسَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ أَنَّهُ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: لُبْسُ الْحَرِيرِ حَرَامٌ عَلَى النِّسَاءِ أَيْضًا لِعُمُومِ النَّهْيِ. وَلِمَا حَدَّثَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي دَاوُد عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو ذُبْيَانَ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تُلْبِسُوا نِسَاءَكُمْ الْحَرِيرَ فَإِنِّي سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ» فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ سِيَّمَا ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنْكَرُوا اسْتِعْمَالَ النِّسَاءِ الْحَرِيرِ فَكَيْفَ يَتِمُّ أَنْ يُقَالَ فِي الْجَوَابِ إنَّهُ بَعْدَهُ بِدَلِيلِ اسْتِعْمَالِهِنَّ إيَّاهُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَتَأَمَّلْ.

ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ " هَذَانِ حَرَامَانِ " إشَارَةٌ إلَى جُزْئِيَّيْنِ، فَمِنْ أَيْنَ الْعُمُومُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ، وَلَئِنْ كَانَ شَخْصًا فَغَيْرُهُ مُلْحَقٌ بِهِ بِالدَّلَالَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ عِبَارَةَ النَّصِّ تُرَجَّحُ عَلَى إشَارَتِهِ وَإِشَارَتُهُ تُرَجَّحُ عَلَى دَلَالَتِهِ، فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الشَّخْصِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ " هَذَانِ حَرَامَانِ " الْحَدِيثَ مُلْحَقًا بِهِ بِالدَّلَالَةِ يَلْزَمُ أَنْ يُرَجَّحَ الْحَدِيثُ الدَّالُّ عِبَارَةً أَوْ إشَارَةً عَلَى حُرْمَةِ لُبْسِ الْحَرِيرِ مُطْلَقًا عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى كَقَوْلِهِ «إنَّمَا يَلْبَسُهُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي حَقِّ مَا أَفَادَهُ دَلَالَةً، وَهُوَ حِلُّ لُبْسِ الْحَرِيرِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الشَّخْصِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِلنِّسَاءِ، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَنْتَهِضَ هَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةً لِحِلِّ لُبْسِ الْحَرِيرِ الْغَيْرِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ لِلنِّسَاءِ فَمِنْ أَيْنَ ثَبَتَ الْعُمُومُ

(قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِتَوَسُّدِهِ وَالنَّوْمِ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يُكْرَهُ) قَالَ الشُّرَّاحُ: يَعْنِي لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا بِخِلَافِ اللُّبْسِ، وَمَأْخَذُهُمْ الْخُلَاصَةُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي هَذَا سَوَاءٌ، بِخِلَافِ اللُّبْسِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. أَقُولُ: تَعْمِيمُ قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ هُنَا لِلْمَرْأَةِ أَيْضًا

<<  <  ج: ص:  >  >>