للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ فِي الدَّعْوَى وَالِاخْتِلَافِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ

قَالَ (وَتَصِحُّ دَعْوَى الشِّرْبِ بِغَيْرِ أَرْضٍ اسْتِحْسَانًا)؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمْلَكُ بِدُونِ الْأَرْضِ إرْثًا، وَقَدْ يَبِيعُ الْأَرْضَ وَيَبْقَى الشِّرْبُ لَهُ وَهُوَ مَرْغُوبٌ فِيهِ فَيَصِحُّ فِيهِ الدَّعْوَى (وَإِذَا كَانَ نَهْرٌ لِرَجُلٍ يَجْرِي فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنْ لَا يُجْرَى النَّهْرُ فِي أَرْضِهِ تُرِكَ عَلَى حَالِهِ)؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ لَهُ بِإِجْرَاءِ مَائِهِ. فَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ يَكُونُ الْقَوْلُ

(فَصْلٌ فِي الدَّعْوَى وَالِاخْتِلَافِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ)

لَمَّا قَرُبَ الْفَرَاغُ مِنْ بَيَانِ مَسَائِلِ الشُّرْبِ خَتَمَهُ بِفَصْلٍ يَشْتَمِلُ عَلَى مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ مَسَائِلِ الشُّرْبِ (وَقَوْلُهُ وَتَصِحُّ دَعْوَى الشُّرْبِ بِغَيْرِ الْأَرْضِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمْلَكُ بِدُونِ الْأَرْضِ إرْثًا وَقَدْ تُبَاعُ الْأَرْضُ وَيَبْقَى الشُّرْبُ لَهُ، وَهُوَ مَرْغُوبٌ فِيهِ فَيَصِحُّ فِيهِ دَعْوَى الْبَيْعِ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الدَّعْوَى إعْلَامُ الْمُدَّعِي فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ وَالشُّرْبُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً لَا تَقْبَلُ الْإِعْلَامَ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا، أَقُولُ: فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ لِلْقِيَاسِ فِي الْمَبْسُوطِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَشْرُوطَ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ، فَإِذَا انْتَفَى الْإِعْلَامُ الَّذِي هُوَ شَرْطُ صِحَّةِ الدَّعْوَى فِي دَعْوَى الشُّرْبِ لِجَهَالَتِهِ جَهَالَةً لَا تَقْبَلُ الْإِعْلَامَ انْتَفَى صِحَّةُ دَعْوَى الشُّرْبِ قَطْعًا فَلَا يُتَصَوَّرُ صِحَّةُ دَعْوَاهُ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا بِدُونِ الْأَرْضِ إرْثًا وَبَاقِيًا بَعْدَ بَيْعِ الْأَرْضِ وَمَرْغُوبًا فِيهِ وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَتَحَقَّقَ الْمَشْرُوطُ بِدُونِ أَنْ يَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ، فَكَيْفَ يَصْلُحُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لِلْقِيَاسِ فِي الْمَبْسُوطِ، عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ لَوْ كَانَ مُصَحِّحًا لِدَعْوَى الشُّرْبِ مَعَ جَهَالَتِهِ لَكَانَ مُصَحِّحًا لِدَعْوَى غَيْرِهِ أَيْضًا مِنْ الْأَعْيَانِ الْمَجْهُولَةِ مَعَ كَوْنِهَا بَاطِلَةً قَطْعًا. نَعَمْ يَصْلُحُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ وَجْهٍ آخَرَ لِلْقِيَاسِ مَذْكُورٌ أَيْضًا فِي الْمَبْسُوطِ وَمَنْقُولٌ عَنْهُ أَيْضًا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِالْمِلْكِ فِيمَا يَدَّعِيهِ إذَا ثَبَتَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَالشُّرْبُ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ بِغَيْرِ أَرْضٍ فَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي فِيهِ الدَّعْوَى كَالْخَمْرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ يَدْفَعُ هَذَا الْوَجْهَ، وَيَصِيرُ جَوَابًا عَنْهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ.

ثُمَّ أَقُولُ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ ذَيْنِكَ الْوَجْهَيْنِ لِلْقِيَاسِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ وَإِنْ كَانَ مَذْكُورًا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْكَافِي وَكَثِيرٍ مِنْ شُرُوحِ هَذَا الْكِتَابِ بِطَرِيقِ النَّقْلِ عَنْ الْمَبْسُوطِ فِي بَعْضِهَا، وَبِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ فِي الْبَعْضِ إلَّا أَنَّهُ مَنْظُورٌ فِيهِ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ وَالشُّرْبُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً لَا تَقْبَلُ الْإِعْلَامَ أَنَّ الشُّرْبَ مُطْلَقًا مَجْهُولٌ جَهَالَةً لَا تَقْبَلُ الْإِعْلَامَ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّهُ إذَا ادَّعَى شُرْبَ يَوْمٍ فِي الشَّهْرِ مَثَلًا يَصِيرُ الشُّرْبُ هُنَاكَ مَعْلُومًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ فِي الشُّرْبِ مِنْ الْأَصْلِ: وَإِذَا كَانَ نَهْرٌ لِرَجُلٍ فِي أَرْضِهِ فَادَّعَى رَجُلٌ فِيهِ شُرْبَ يَوْمٍ فِي الشَّهْرِ، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَيُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى شُرْبٍ مَعْلُومٍ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>