قَوْلَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ جَارِيًا فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ هَذَا النَّهْرَ لَهُ، أَوْ أَنَّهُ قَدْ كَانَ مَجْرَاهُ لَهُ فِي هَذَا النَّهْرِ يَسُوقُهُ إلَى أَرْضِهِ لِيَسْقِيَهَا فَيَقْضِي لَهُ لِإِثْبَاتِهِ بِالْحُجَّةِ مِلْكًا لَهُ أَوْ حَقًّا مُسْتَحَقًّا فِيهِ، وَعَلَى هَذَا الْمَصَبُّ فِي نَهْرٍ أَوْ عَلَى سَطْحٍ أَوْ الْمِيزَابُ أَوْ الْمَمْشَى فِي دَارِ غَيْرِهِ، فَحُكْمُ الِاخْتِلَافِ فِيهَا نَظِيرُهُ فِي الشِّرْبِ
(وَإِذَا كَانَ نَهْرٌ بَيْنَ قَوْمٍ وَاخْتَصَمُوا فِي الشِّرْبِ كَانَ الشِّرْبُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيهِمْ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِانْتِفَاعُ بِسَقْيِهَا فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، بِخِلَافِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّطَرُّقُ وَهُوَ فِي الدَّارِ الْوَاسِعَةِ وَالضَّيِّقَةِ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَ الْأَعْلَى مِنْهُمْ لَا يَشْرَبُ حَتَّى يَسْكُرَ النَّهْرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْبَاقِينَ، وَلَكِنَّهُ يَشْرَبُ بِحِصَّتِهِ، فَإِنْ تَرَاضَوْا عَلَى أَنْ يَسْكُرَ الْأَعْلَى النَّهْرَ حَتَّى يَشْرَبَ بِحِصَّتِهِ أَوْ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَسْكُرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فِي نَوْبَتِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، إلَّا أَنَّهُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ بِلَوْحٍ لَا يَسْكُرُ بِمَا يَنْكَبِسُ بِهِ النَّهْرُ مِنْ غَيْرِ تَرَاضٍ لِكَوْنِهِ إضْرَارًا بِهِمْ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَكْرِيَ مِنْهُ نَهْرًا أَوْ يَنْصُبَ عَلَيْهِ رَحَى مَاءٍ إلَّا بِرِضَا أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ كَسْرَ ضِفَّةِ النَّهْرِ وَشَغْلَ مَوْضِعٍ مُشْتَرَكٍ بِالْبِنَاءِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ رَحًى لَا يَضُرُّ بِالنَّهْرِ وَلَا بِالْمَاءِ، وَيَكُونُ مَوْضِعُهَا فِي أَرْضِ صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَلَا ضَرَرَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ.
غَيْرِ أَرْضٍ.
وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشُّرْبِ مِنْ غَيْرِ أَرْضٍ مَقْبُولَةٌ إذَا كَانَ الشُّرْبُ مَعْلُومًا، وَالشُّرْبُ مَعْلُومٌ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا لَهُ بِشُرْبِ يَوْمٍ مِنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَهُوَ مَعْلُومٌ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ وَإِنْ أَرَادُوا بِذَلِكَ أَنَّ الشُّرْبَ قَدْ يَكُونُ مَجْهُولًا فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا يُجْدَى شَيْئًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِصِحَّةِ دَعْوَى الشُّرْبِ بِغَيْرِ أَرْضٍ اسْتِحْسَانًا فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ صِحَّةُ دَعْوَى الشُّرْبِ الْمَعْلُومِ، فَإِنَّ دَعْوَى الشُّرْبِ الْمَجْهُولِ وَالشَّهَادَةَ عَلَيْهِ لَا تَصِحُّ أَصْلًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّ لَهُ شُرْبَ يَوْمٍ، وَلَمْ يُسَمُّوا عَدَدَ الْأَيَّامِ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِشُرْبٍ مَجْهُولٍ لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَنَّ لَهُ شُرْبَ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ أَوْ مِنْ السَّنَةِ أَوْ مِنْ الْأُسْبُوعِ، وَجَهَالَةُ الْمَشْهُودِ بِهِ تَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِهَا انْتَهَى.
(قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ: يَعْنِي بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَعْمَلًا بِإِجْرَاءِ مَائِهِ فِيهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ أَشْجَارُهُ فِي طَرَفَيْ النَّهْرِ انْتَهَى.
أَقُولُ: فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ خَلَلٌ، إذْ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ هُوَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ: أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَعْمَلًا بِإِجْرَاءِ مَائِهِ فِيهِ يَلْزَمُ أَنْ يَلْغُوا قَوْلَهُ وَلَمْ يَكُنْ جَارِيًا، إذْ يَكُونُ عَدَمُ الْجَرَيَانِ حِينَئِذٍ مُنْدَرِجًا فِي مَضْمُونِ قَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ، وَلَمْ يَكُنْ جَارِيًا مُسْتَدْرَكًا مَحْضًا، فَالْوَجْهُ هُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي وَهُوَ إنْ لَمْ تَكُنْ أَشْجَارُهُ فِي طَرَفَيْ النَّهْرِ، فَإِنَّ كَوْنَ أَشْجَارِهِ فِي طَرَفَيْ النَّهْرِ عَلَامَةَ أَنْ يَكُونَ هَذَا النَّهْرُ لَهُ، وَجَرَيَانُ مَائِهِ فِيهِ عَلَامَةُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَجْرَاهُ فِي هَذَا النَّهْرِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ إشَارَةٌ إلَى انْتِفَاءِ الْعَلَامَةِ الْأُولَى.
وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ جَارِيًا إشَارَةٌ إلَى انْتِفَاءِ الْعَلَامَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَصِيرُ مَعْنَى مَجْمُوعِ كَلَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ الْعَلَامَتَيْنِ فَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ أَنَّ هَذَا النَّهْرَ لَهُ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ لَهُ مَجْرَاهُ فِي هَذَا النَّهْرِ فَيَنْتَظِمُ السِّيَاقُ وَاللِّحَاقُ كَمَا تَرَى. لَا يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute