للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ

قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُسْلِمُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّهِ فَلَا يَصْلُحُ بَدَلًا فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ.

وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْقِيمَةَ مَجْهُولَةٌ قَدْرًا وَجِنْسًا وَوَصْفًا فَتَفَاحَشَتْ الْجَهَالَةُ وَصَارَ كَمَا إذَا كَاتَبَ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ، وَلِأَنَّهُ تَنْصِيصٌ عَلَى مَا هُوَ مُوجِبُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْقِيمَةِ. قَالَ (فَإِنْ أَدَّى الْخَمْرَ عَتَقَ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُعْتَقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ،

فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحِلِّ: أَمَّا الْخُرُوجُ مِنْ يَدِهِ فَلِتَحْقِيقِ مَعْنَى الْكِتَابَةِ لُغَةً وَهُوَ الضَّمُّ فَيَضُمُّ مَالِكِيَّةَ يَدِهِ الْحَاصِلَةِ فِي الْحَالِ إلَى مَالِكِيَّةِ نَفْسِهِ الَّتِي تَحْصُلُ عِنْدَ الْأَدَاءِ. وَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ: ضَمُّ الشَّيْءِ إلَى الشَّيْءِ يَقْتَضِي وُجُودَهُمَا وَمَالِكِيَّةُ النَّفْسِ فِي الْحَالِ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ الضَّمُّ؟ أُجِيبُ بِأَنْ مَالِكِيَّةَ النَّفْسِ قَبْلَ الْأَدَاءِ ثَابِتَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَلِهَذَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ الْمَوْلَى وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ، وَإِنْ وَطِئَ الْمُكَاتَبَةَ لَزِمَهُ الْعُقْرُ فَيَتَحَقَّقُ الضَّمُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ، لِأَنَّ هَذَا الْجَوَابَ يُنَافِي قَوْلَهُ فِيمَا قَبْلُ إلَى مَالِكِيَّةِ نَفْسِهِ الَّتِي تَحْصُلُ عِنْدَ الْأَدَاءِ، لِأَنَّ مُقْتَضَى هَذَا الْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ الْمَضْمُومُ وَالْمَضْمُومُ إلَيْهِ مَوْجُودِينَ فِي الْحَالِ، وَالْمَدْلُولُ مَا قَالَهُ أَوَّلًا أَنْ يَكُونَ الْمَضْمُومُ إلَيْهِ حَاصِلًا عِنْدَ الْأَدَاءِ لَا فِي الْحَالِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ الَّتِي تَحْصُلُ عِنْدَ الْأَدَاءِ لَغْوًا مَحْضًا كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ أَنْ تَنَبَّهَ لِمَا قُلْنَا قَالَ وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَيْضًا أَنَّ الْجَوَابَ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الضَّمُّ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ حِينَ وُجُودِ مَالِكِيَّةِ النَّفْسِ عَلَى قِيَاسِ ضَمِّ النَّجْمِ إلَى النَّجْمِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، إذْ لَوْ كَفَى تَحَقُّقُ الضَّمِّ حِينَ مَالِكِيَّةِ النَّفْسِ لَبَطَلَ أَصْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَمَّا الْخُرُوجُ مِنْ يَدِهِ فَلِتَحْقِيقِ مَعْنَى الْكِتَابَةِ وَهُوَ الضَّمُّ، فَإِنَّ تَحَقُّقَ الضَّمِّ حِينَ مَالِكِيَّةِ النَّفْسِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ يَدِهِ فِي الْحَالِ، بَلْ يَتَيَسَّرُ بِالْخُرُوجِ مِنْ يَدِهِ حِينَ مَالِكِيَّةِ النَّفْسِ الَّتِي تَحْصُلُ عِنْدَ الْأَدَاءِ عَلَى مَا مَرَّ، وَمَبْنَى السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ عَلَى تَصْحِيحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمَصِيرِ إلَى تَحْقِيقِ مَعْنَى الضَّمِّ فِي الْحَالِ.

(فَصْلٌ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ)

أَخَّرَ الْكِتَابَةَ الْفَاسِدَةَ عَنْ الصَّحِيحَةِ لِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ الْفَاسِدَةِ عَنْ الصَّحِيحَةِ (قَوْلُهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُسْلِمُ) عَبَّرَ عَنْ مَسْأَلَتَيْ الْكِتَابَةِ عَلَى الْخَمْرِ وَالْكِتَابَةِ عَلَى الْخِنْزِيرِ بِالْأَوَّلِ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ لِاتِّحَادِهِمَا فِي جِهَةِ الْفَسَادِ وَهِيَ عَدَمُ تَحَقُّقِ الْمَالِيَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَكَأَنَّمَا صَارَا مَسْأَلَةً وَاحِدَةً، وَإِلَّا فَهُمَا مَسْأَلَتَانِ مُسْتَقِلَّتَانِ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابَةِ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَقَدْ أَوْمَأَ إلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ فِي بَسْطِ نَفْسِ الْمَسَائِلِ أَيْضًا حَيْثُ أَعَادَ كَلِمَةَ عَلَى عِنْدَ ذِكْرِ الْقِيمَةِ دُونَ ذِكْرِ الْخِنْزِيرِ كَمَا تَرَى، وَلِهَذَا عَبَّرَ عَنْ عَقْدِ الْكِتَابَةِ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ بِالثَّانِي فَقَالَ: وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْقِيمَةَ مَجْهُولًا إلَخْ مَعَ أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>