قَالَ فِي الْكِتَابِ (وَإِنْ جَدّه الْمُشْتَرِي سَقَطَ عَنْ الشَّفِيعِ حِصَّتُهُ) قَالَ ﵁ (وَهَذَا جَوَابُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ مَقْصُودًا فَيُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ (أَمَّا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي يَأْخُذُ مَا سِوَى الثَّمَرِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ) لِأَنَّ الثَّمَرَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ مَبِيعًا إلَّا تَبَعًا فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ
قَالَ (الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْعَقَارِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْسَمُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شُفْعَةَ فِيمَا لَا يُقْسَمُ، لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ دَفْعًا لِمُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ وَلَنَا قَوْلُهُ ﵊ «الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَقَارٌ أَوْ رَبْعٌ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُمُومَاتِ، وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ سَبَبُهَا الِاتِّصَالُ فِي الْمِلْكِ وَالْحِكْمَةَ دَفْعُ ضَرَرِ سُوءِ الْجِوَارِ عَلَى
تَأَمَّلْ تَقِفْ. بَقِيَ شَيْءٌ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ وَهُوَ أَنَّهُ نَفَى كَوْنَ مَدَارِ الْفَرْقِ الْجَبْرَ وَالِاخْتِيَارَ وَحَكَمَ بِأَنَّ مَدَارَهُ الْغُرُورُ وَعَدَمُ الْغُرُورِ، فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ كَانَ سَبَبُ الْغُرُورِ فِي الْمُشْتَرِي وَعَدَمُ الْغُرُورِ فِي الشَّفِيعِ كَوْنَ الْبَائِعِ مُخْتَارًا وَخَصْمِ الشَّفِيعِ مَجْبُورًا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ يَلْزَمُ الْمَصِيرُ إلَى مَا نَفَاهُ.
وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُمَا غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ وَاضِحٍ سِيَّمَا بَيْنَ الشَّفِيعِ الْآخِذِ بِرِضَا خَصْمِهِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنْ يُقَالَ: سَبَبُ غُرُورِ الْمُشْتَرِي الْتِزَامُ الْبَائِعِ لَهُ سَلَامَةَ الْمَبِيعِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ تَقْرِيرُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْمُشْتَرِيَ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ لِدَفْعِ الْغُرُورِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَائِعَ الْتَزَمَ لِلْمُشْتَرِي السَّلَامَةَ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ خَصْمَ الشَّفِيعِ وَإِنْ رَضِيَ بِأَخْذِهِ لَكِنْ لَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ السَّلَامَةَ فَافْتَرَقَا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ
(بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ) ذَكَرَ تَفْصِيلَ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ بَعْدَ ذِكْرِ نَفْسِ الْوُجُوبِ مُجْمَلًا، لِأَنَّ التَّفْصِيلَ بَعْدَ الْإِجْمَالِ كَذَا فِي الشُّرُوحِ
(قَوْلُهُ الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْعَقَارِ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: الْعَقَارُ كُلُّ مَا لَهُ أَصْلٌ مِنْ دَارٍ أَوْ ضَيْعَةٍ أَقُولُ: تَفْسِيرُهُمْ الْعَقَارَ بِهَذَا الْوَجْهِ مِمَّا يَأْبَاهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْآتِي ذِكْرُهُ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ ﵊ «الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَقَارٌ أَوْ رَبْعٌ» لِأَنَّ الرَّبْعَ هُوَ الدَّارُ بِعَيْنِهَا كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشُّرَّاحُ هَاهُنَا، وَقَدْ عَطَفَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْعَقَارِ، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ فَكَيْفَ يَتَيَسَّرُ إدْرَاجُ الدَّارِ فِي مَعْنَى الْعَقَارِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَبِيلِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى﴾ لَكِنَّ النُّكْتَةَ فِيهِ غَيْرُ وَاضِحَةٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute