(فَصْلٌ فِي غَصْبِ مَا لَا يُتَقَوَّمُ)
قَالَ (وَإِذَا أَتْلَفَ الْمُسْلِمُ خَمْرَ الذِّمِّيِّ أَوْ خِنْزِيرَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا، فَإِنْ أَتْلَفَهُمَا لِمُسْلِمٍ لَمْ يَضْمَنْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَضْمَنُهَا لِلذِّمِّيِّ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَتْلَفَهُمَا ذِمِّيٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ أَوْ بَاعَهُمَا الذِّمِّيُّ مِنْ الذِّمِّيِّ. لَهُ أَنَّهُ سَقَطَ تَقَوُّمُهُمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَكَذَا فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ لَنَا فِي الْأَحْكَامِ فَلَا يَجِبُ بِإِتْلَافِهِمَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَهُوَ الضَّمَانُ. وَلَنَا أَنَّ التَّقْوِيمَ بَاقٍ فِي حَقِّهِمْ، إذْ الْخَمْرُ لَهُمْ كَالْخَلِّ لَنَا وَالْخِنْزِيرُ لَهُمْ كَالشَّاةِ لَنَا.
قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ غَصْبِ مَا يُتَقَوَّمُ وَهُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ بِحَدِّهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ شَرْعًا فِي بَيَانِ أَحْكَامِ غَصْبِ مَا لَا يُتَقَوَّمُ بِاعْتِبَارِ عَرَضِيَّةٍ أَنْ يَصِيرَ مُتَقَوِّمًا، إمَّا بِاعْتِبَارِ دِيَانَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ أَوْ بِتَغَيُّرِهِ فِي نَفْسِهِ إلَى التَّقْوِيمِ اهـ كَلَامُهُ. وَقَدْ اقْتَفِي أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّهُ لَا حَاجَةَ هُنَا إلَى الْمَصِيرِ إلَى اعْتِبَارِ عَرَضِيَّةٍ أَنْ يَصِيرَ مَا لَا يُتَقَوَّمُ مُتَقَوِّمًا بِأَحَدِ الِاعْتِبَارَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ عِنْدَ النَّظَرِ الدَّقِيقِ؛ لِأَنَّ الْمُبَيَّنَ فِي هَذَا الْفَصْلِ ضَمَانُ مَا لَا يُتَقَوَّمُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ وَعَدَمُ ضَمَانِهِ فِي بَعْضِهَا، فَفِي مَا لَا ضَمَانَ فِيهِ كَإِتْلَافِ خَمْرِ الْمُسْلِمِ وَخِنْزِيرِهِ لَا وَجْهَ لِاعْتِبَارِ عَرَضِيَّةٍ أَنْ يَصِيرَ مُتَقَوِّمًا بِاعْتِبَارٍ مَا أَصْلًا. فَإِنَّ اعْتِبَارَ عَرَضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ مُتَقَوِّمًا مِمَّا لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي حُكْمِ عَدَمِ الضَّمَانِ قَطْعًا بَلْ لَهُ نَوْعُ إبَاءٍ عَنْهُ، وَلَعَلَّ بَعْضَ الشُّرَّاحِ تَنَبَّهَ لِهَذَا فَتَرَكَ حَدِيثَ اعْتِبَارِ عَرَضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ مُتَقَوِّمًا مِنْهُمْ الشَّارِحُ الْكَاكِيُّ حَيْثُ قَالَ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ غَصْبِ مَا يُتَقَوَّمُ إذْ هُوَ الْأَصْلُ شَرَعَ فِي بَيَانِ غَصْبِ مَا لَا يُتَقَوَّمُ اهـ. وَمِنْهُمْ الشَّارِحُ الْأَتْقَانِيُّ حَيْثُ قَالَ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ غَصْبِ مَا يُتَقَوَّمُ وَهُوَ الْأَصْلُ شَرَعَ فِي بَيَانِ غَصْبِ مَا لَا يُتَقَوَّمُ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ هَلْ يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ أَمْ لَا اهـ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ التَّقَوُّمَ بَاقٍ فِي حَقِّهِمْ، إذَا الْخَمْرُ لَهُمْ كَالْخَلِّ لَنَا وَالْخِنْزِيرُ لَهُمْ كَالشَّاةِ لَنَا) أَقُولُ: فِيهِ إشْكَالٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخَصْمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute