للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ عَرَفْت هَذِهِ الْمَآخِذَ فِي الْمُخْتَلِفِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ فِي ذَاتِهَا، بَلْ تُقَوَّمُ ضَرُورَةً عِنْدَ وُرُودِ الْعَقْدِ وَلَمْ يُوجَدْ الْعَقْدُ، إلَّا أَنَّ مَا اُنْتُقِصَ بِاسْتِعْمَالِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لِاسْتِهْلَاكِهِ بَعْضَ أَجْزَاءِ الْعَيْنِ.

الْوَصِيِّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ أَيْضًا كَذَلِكَ؟ فَمِنْ أَيْنَ ثَبَتَتْ دَلَالَةُ جَوَازِ شِرَاءِ الثِّيَابِ بِدَرَاهِمِ الْيَتِيمِ لِلْوَصِيِّ عَلَى أَنَّ الْقُرْبَانَ بِالْأَحْسَنِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ هُوَ مُجَرَّدُ مَا لَا يُعَدُّ عَيْبًا فِي التَّصَرُّفَاتِ. نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْقُرْبَانِ الْأَحْسَنِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَكِنَّهُ إنَّمَا يُعْرَفُ بِدَلِيلٍ آخَرَ لَا بِمَا ذَكَرَ مِنْ جَوَازِ شِرَاءِ الثِّيَابِ بِدَرَاهِمِ الْيَتِيمِ لِلْوَصِيِّ.

(قَوْلُهُ وَقَدْ عَرَفْت هَذِهِ الْمَآخِذَ فِي الْمُخْتَلِفِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْمَآخِذِ: أَيْ الْعِلَلِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْحُكْمِ، مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي مِلْكِ الْغَاصِبِ، وَثَانِيًا بِقَوْلِهِ إنَّهَا لَا يَتَحَقَّقُ غَصْبُهَا وَإِتْلَافُهَا، وَثَالِثًا بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهَا لَا تُمَاثِلُ الْأَعْيَانَ إلَخْ اهـ.

أَقُولُ: فِيهِ نَوْعُ خَلَلٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: أَوْ مَا ذَكَرَهُ، بِكَلِمَةِ أَوْ وَهِيَ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعِلَلَ الَّتِي كَانَتْ مَنَاطَ الْحُكْمِ هَاهُنَا وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْمَآخِذِ هِيَ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَثَانِيًا وَثَالِثًا بِأَقْوَالِهِ الْمَزْبُورَةِ لَا أَمْرٌ آخَرُ، فَكَيْفَ يَصِحُّ الْعَطْفُ بِكَلِمَةِ أَوْ.

وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ هَاهُنَا: أَرَادَ بِالْمَآخِذِ الْعِلَلَ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْحُكْمِ، وَأَرَادَ بِالْمَآخِذِ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ إنَّهَا حَصَلَتْ فِي مِلْكِ الْغَاصِبِ وَثَانِيًا إنَّهَا لَا يَتَحَقَّقُ غَصْبُهَا وَإِتْلَافُهَا وَثَالِثًا إنَّهَا لَا تُمَاثِلُ الْأَعْيَانَ، وَالشَّرْطُ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ الْمُمَاثَلَةُ بِالنَّصِّ اهـ.

أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ الْعِلَلَ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْحُكْمِ هَاهُنَا هِيَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا وَثَانِيًا وَثَالِثًا بِعَيْنِهِ كَمَا عَرَفْتَهُ آنِفًا، فَمَا مَعْنَى قَوْلِ هَذَا الشَّارِحِ أَرَادَ بِالْمَآخِذِ هَذَا وَأَرَادَ بِهَا ذَاكَ، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ، لَكِنْ يُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ بِأَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ بِقَوْلِهِ أَرَادَ بِالْمَآخِذِ الْعِلَلَ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْحُكْمِ تَفْسِيرَ مَعْنَى الْمَآخِذِ هَاهُنَا، وَبِقَوْلِهِ وَأَرَادَ بِالْمَآخِذِ مَا ذَكَرَهُ إلَخْ تَفْسِيرَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْمَآخِذُ هَاهُنَا وَتَعَيُّنَهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَرَادَ بِمَعْنَى الْمَآخِذِ هَاهُنَا هَذَا وَأَرَادَ بِمَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْمَآخِذُ هَاهُنَا ذَاكَ، وَالْمُغَايَرَةُ بَيْنَ الْمَفْهُومِ وَمَا صَدَقَ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ فَيَصِحُّ الْعَطْفُ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي الثَّانِي وَأَرَادَ بِهَذِهِ الْمَآخِذِ مَا ذَكَرَهُ إلَخْ لَكَانَ أَحْسَنَ لِكَوْنِهِ أَدَلَّ عَلَى إرَادَةِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْمَآخِذُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَحْثٌ قَوِيٌّ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي مُعْتَبَرَاتِ الْفَتَاوَى بِأَنَّ مَنَافِعَ الْغَصْبِ مَضْمُونَةٌ عِنْدَنَا أَيْضًا فِي الْوَقْفِ وَمَالِ الْيَتِيمِ وَمَا كَانَ مُعَدًّا لِلْإِجَارَةِ مَعَ أَنَّ الْعِلَلَ الْمَذْكُورَةَ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْحُكْمِ بِعَدَمِ ضَمَانِ مَنَافِعِ الْغَصْبِ جَارِيَةٌ بِعَيْنِهَا فِي تِلْكَ الصُّوَرِ أَيْضًا. فَإِنْ قُلْت: الْعِلَلُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ وَالْقَوْلُ بِضَمَانِ الْمَنَافِعِ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ مُوجِبُ الِاسْتِحْسَانِ نَظَرًا لِلْوَقْفِ وَمَالِ الْيَتِيمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ تَرْكُ الْقِيَاسِ بِالِاسْتِحْسَانِ. قُلْت: ذَلِكَ فِيمَا يُتَصَوَّرُ وَيُمْكِنُ، وَتِلْكَ الْعِلَلُ بَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَصَوُّرِ الْغَصْبِ وَالْعُدْوَانِ فِي الْمَنَافِعِ، وَبَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إمْكَانِ تَضْمِينِ الْمَنَافِعِ بِالْأَعْيَانِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا، وَبِنَاءُ ضَمَانِ الْعُدْوَانِ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، فَإِجْرَاءُ الِاسْتِحْسَانِ فِي خِلَافِ ذَلِكَ مُشْكِلٌ جِدًّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>