(بَابُ إِقْرَارِ الْمَرِيضِ)
قَالَ: (وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِدُيُونٍ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ فِي صِحَّتِهِ وَدُيُونٌ لَزِمَتْهُ فِي مَرَضِهِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ فَدَيْنُ الصِّحَّةِ وَالدَّيْنُ الْمَعْرُوفُ الْأَسْبَابِ مُقَدَّمٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: دَيْنُ الْمَرَضِ وَدَيْنُ الصِّحَّةِ يَسْتَوِيَانِ لِاسْتِوَاءِ سَبَبِهِمَا وَهُوَ الْإِقْرَارُ الصَّادِرُ عَنْ عَقْلٍ وَدِينٍ،
مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ جِنْسَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: فَفِي نَوْعٍ مِنْهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْوَدِيعَةِ وَالْإِقْرَاضِ وَالِاقْتِضَاءِ، وَفِي نَوْعٍ مِنْهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ مَسْأَلَةُ بَيْعِ الْعَبْدِ، وَمَسْأَلَةُ زَرْعِ هَذِهِ الْأَرْضِ، أَوْ بِنَائِهَا هَذِهِ الدَّارِ، وَمَسْأَلَةُ خَيَّاطَةِ الثَّوْبِ بِدُونِ ذِكْرِ الْقَبْضِ مِنْهُ، وَفِي نَوْعٍ مِنْهَا اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَعِنْدَ أَبِى حَنِيفَةَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ، كَمَا فِي الثَّانِي، وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ، كَمَا فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْإِسْكَانِ وَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ مَعَ ذِكْرِ الْقَبْضِ، انْتَهَى.
لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ إِقْرَارِ الصَّحِيحِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ إِقْرَارِ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ بَعْدَ الصِّحَّةِ، وَأَفْرَدَهُ بِبَابٍ عَلَى حِدَةٍ لِاخْتِصَاصِهِ بِأَحْكَامٍ لَيْسَتْ لِلصَّحِيحِ، (وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِدُيُونٍ)، أَيْ: بِدُيُونٍ غَيْرِ مَعْلُومَةِ الْأَسْبَابِ، (وَعَلَيْهِ دُيُونٌ فِي صِحَّتِهِ وَدُيُونٌ لَزِمَتْهُ فِي مَرَضِهِ)، أَيْ: فِي مَرَضِ مَوْتِهِ (بِأَسْبَابِ مَعْلُومَةٍ)، مُتَعَلِّقٌ بِلَزِمَتْهُ، أَيْ: لَزِمَتْهُ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ، مِثْلُ بَدَلِ مَالٍ مَلَكَهُ أَوِ اسْتَهْلَكَهُ أَوْ مُهْرِ مِثْلِ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا وَعُلِمَ مُعَايِنَةً. (فَدَيْنُ الصِّحَّةِ وَالدَّيْنُ الْمَعْرُوفُ الْأَسْبَابِ مُقَدَّمٌ) عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَرَضِهِ، إِلَى هُنَا لَفْظُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: دَيْنُ الْمَرَضِ) سَوَاءٌ كَانَ بِسَبَبٍ مَعْلُومٍ أَوْ بِإِقْرَارِهِ، (وَدَيْنُ الصِّحَّةِ يَسْتَوِيَانِ لِاسْتِوَاءِ سَبَبِهِمَا وَهُوَ الْإِقْرَارُ الصَّادِرُ عَنْ عَقْلٍ وَدِينٍ)، وَإِنَّمَا تُعْرَضُ لَوْ صَفَى الْعَقْلُ وَالدِّينُ؛ لِأَنَّهُمَا الْمَانِعَانِ عَنِ الْكَذِبِ فِي الْإِخْبَارِ وَالْإِقْرَارِ، إِخْبَارٌ عَنِ الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ، وَلَا تَفَاوُتَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ صِحَّةِ الْمُقِرِّ وَمَرَضِهِ، بَلْ بِالْمَرَضِ يَزْدَادُ جِهَةُ رُجْحَانِ الصِّدْقِ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ سَبَبُ التَّوَرُّعِ عَنِ الْمَعَاصِيَ وَالْإِنَابَةِ عَمَّا جَرَى فِي الْمَاضِي، فَالِاحْتِرَازُ عَنِ الْكَذِبِ فِي هَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute