للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ

قَالَ: (الْأُجَرَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ، وَأَجِيرٌ خَاصٌّ.

بِقَوْلِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ قَبْلَ تَمَامِ مُدَّةِ الْعَقْدِ عَلَى مَا هُوَ الشَّائِعُ مِنْ حَذْفِ الْمُضَافِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ زَرَعَهَا، وَمَضَى الْأَجَلُ: وَيُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُ صَاحِبِ الْكَافِي فِي التَّعْلِيلِ: وَلَنَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ صَارَ مَعْلُومًا قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ فَيَرْتَفِعُ الْفَسَادُ اهـ. هَذَا وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ، وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: وَإِنْ ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ بِمُجَرَّدِ الزِّرَاعَةِ لَكِنْ لَمْ يَرْتَفِعْ مَا هُوَ الْمُوجِبُ لِلْفَسَادِ، وَهُوَ احْتِمَالُ أَنْ يَزْرَعَ مَا يَضُرُّ بِالْأَرْضِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَا زَرَعَهَا مُضِرًّا بِالْأَرْضِ فَتَقَعُ بَيْنَهُمَا الْمُنَازَعَةُ بِسَبَبِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْفَسَادِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ كَانَ احْتِمَالَ ذَلِكَ وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ. فَكَيْفَ يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ بِتَحَقُّقِ شَيْءٍ احْتِمَالُهُ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ؛ وَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَجْهُولًا لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِتَعْيِينِهِمَا صَوْنًا عَنْ الْإِضْرَارِ بِأَحَدِهِمَا، وَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّعْيِينِ؛ لِمَا أَنَّ الْعَقْدَ قَامَ بِهِمَا، فَكَذَا تَعْيِينُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ بِهِمَا، ثُمَّ الِاسْتِعْمَالُ تَعْيِينٌ مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ. وَهَذَا الْإِشْكَالُ هُوَ الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْفَوَائِدِ بِقَوْلِهِ وَلِي فِي هَذَا التَّعْلِيلِ إشْكَالٌ هَائِلٌ. ثُمَّ قَالَ: قُلْنَا الْأَصْلُ إجَارَةُ الْعَقْدِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ؛ لِأَنَّ عُقُودَ الْإِنْسَانِ تَصِحُّ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَالْمَانِعُ الَّذِي فَسَدَ الْعَقْدُ بِاعْتِبَارِهِ تَوَقُّعُ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا فِي تَعْيِينِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ اسْتِيفَاءِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ مِنْ الْمَنَافِعِ يَزُولُ هَذَا التَّوَقُّعُ فَيَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ. انْتَهَى مَا فِي النِّهَايَةِ، وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ.

أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ تَوَقُّعَ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا إنَّمَا يَزُولُ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ مِنْ الْمَنَافِعِ إذَا لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا بِاسْتِيفَاءِ ذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِهِ فَلَا يَزُولُ ذَلِكَ أَصْلًا، وَهَذَا مِمَّا لَا سُتْرَةَ بِهِ، فَالْكَلَامُ الْفَيْصَلُ أَنَّهُ إنْ اعْتَبَرَ فِي مَوْضِعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِلْمَ رَبِّ الْأَرْضِ بِاسْتِعْمَالِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْأَرْضِ وَرِضَاهُ بِمَا عَمِلَ فِيهَا فَلَا يُتَّجَهُ الْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ رَأْسًا، وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرْ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ انْقَلَبَ الْعَقْدُ جَائِزًا بِمُجَرَّدِ اسْتِعْمَالِ الْمُسْتَأْجِرِ فِيهَا، وَمَضَى الْأَجَلُ، سَوَاءٌ عَلِمَ رَبُّ الْأَرْضِ بِذَلِكَ وَرَضِيَ بِهِ أَوْ لَا، فَالْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ وَارِدٌ جِدًّا غَيْرُ مُنْدَفِعٍ بِالْجَوَابِ الْمَزْبُورِ قَطْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ)

لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ صَحِيحِهَا وَفَاسِدِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَوَارِضِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَتَحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا ذُكِرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فَقَالَ: لَمَّا ذَكَرَ أَنْوَاعَ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>