وَالْإِجَارَةُ تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ وَعِنْدَهُ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ، وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى الْإِيجَابِ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ يَجِبُ أَقَلُّ الْأَجْرَيْنِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ.
كَلَامُهُ. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَجْرَ، وَإِنْ وَجَبَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِالتَّسْلِيمِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ وَالتَّخْلِيَةِ، بَلْ لَا بُدَّ فِي وُجُوبِهِ مِنْ قَطْعِ الْمَسَافَةِ الْمُعَيَّنَةِ فِي ذَلِكَ الْعَقْدِ، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الْكُوفَةِ فَسَلَّمَهَا الْمُؤَجِّرُ وَأَمْسَكَهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِبَغْدَادَ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ الْمَسِيرُ فِيهَا إلَى الْكُوفَةِ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَاقَهَا مَعَهُ إلَى الْكُوفَةِ فَلَمْ يَرْكَبْهَا وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ. انْتَهَى.
فَفِي مَسْأَلَةِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ مَسَافَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ بِقَطْعِ مَسَافَةٍ مِنْ تَيْنِك الْمَسَافَتَيْنِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى أَصْلِهِمَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى الْإِيجَابِ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ يَجِبُ أَقَلُّ الْأَجْرَيْنِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ) يَعْنِي وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى إيجَابِ الْأَجْرِ بِمُجَرَّدِ التَّخْلِيَةِ وَالتَّسْلِيمِ، بِأَنْ يُسَلِّمَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ قَطُّ حَتَّى تُعْلَمَ الْمَنْفَعَةُ يَجِبُ أَقَلُّ الْأَجْرَيْنِ اللَّذَيْنِ سُمِّيَا فِي الْعَقْدِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَوْ جَازَ الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ فِي دَفْعِ الْجَهَالَةِ الْوَاقِعَةِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ مُتَيَقِّنًا لَصَحَّتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا إذَا سَمَّى لِعَمَلٍ مُعَيَّنٍ أَوْ لِمَنْفَعَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَجْرَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ كَأَنْ قَالَ: خِطْ هَذَا الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ أَمْ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ، أَوْ قَالَ: اُسْكُنْ فِي هَذَا الْبَيْتِ بِدِرْهَمٍ أَوْ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَجَبَ أَقَلُّ الْأَجْرَيْنِ اللَّذَيْنِ سَمَّاهُمَا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَتَأَمَّلْ فِي الدَّفْعِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
(بَابُ إجَارَةِ الْعَبْدِ)
قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِالْحُرِّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِالْعَبْدِ، إذْ الْعَبْدُ مُنْحَطُّ الدَّرَجَةِ عَنْ الْحُرِّ فَانْحَطَّ ذِكْرُهُ عَنْ ذِكْرِ الْحُرِّ لِذَلِكَ انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ فِي ذِكْرِ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: لَمَّا كَانَتْ إجَارَةُ الرَّقِيقِ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ وَبِالرَّقِيقِ مَسَائِلُ خَاصَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ ذَكَرَهَا فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ، وَأَخَّرَ ذِكْرَهَا؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّوْعِ، وَقَالَ هَذَا مَا لَاحَ لِي مِنْ وَجْهِ الْمُنَاسَبَةِ، وَمَا قِيلَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ إنَّ الْعَبْدَ مُنْحَطُّ الدَّرَجَةِ عَنْ الْحُرِّ فَانْحَطَّ ذِكْرُهُ عَنْ ذِكْرِ الْحُرِّ لِذَلِكَ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا اسْتِئْجَارَ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ وَالْحَمَّامِ وَالدَّوَابِّ، وَذَكَرَ هُنَا اسْتِئْجَارَ الرَّقِيقِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَتَرْجَمَ الْبَابَ بِبَابِ إجَارَةِ الْعَبْدِ كَمَا تَرْجَمَ فِي الْأَصْلِ بِبَابِ إجَارَةِ الرَّقِيقِ لِلْخِدْمَةِ وَغَيْرِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ هَذَا الشَّارِحِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْعَبْدَ مُنْحَطُّ الدَّرَجَةِ عَنْ الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ أَصْلًا فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي شَيْءٍ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَهَذَا مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَذَا لَمْ يَبْدَأْ أَوَّلَ الْبَابِ بِاسْتِئْجَارِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَصَرُّفٌ أَصْلًا فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ لَا أَصَالَةً وَلَا نِيَابَةً، بَلْ هُوَ مَحَلُّ التَّصَرُّفِ، وَمَوْقِعُ عَقْدِ الْإِجَارَةِ كَالدَّابَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ غَرَضَ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَكُنْ إلَّا تَنْوِيعُ الْمَسَائِلِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ.
أَقُولُ: فِي الْوَجْهِ الَّذِي لَاحَ لَهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute