للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْل

قَالَ: (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ يَدُهُ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً أَوْ قَطَعَ يَدَهُ خَطَأً

قَتَلَهُ سُمِّيَ قَتْلًا، وَإِنْ أَصَابَ الْكُوزَ وَكَسَرَهُ سُمِّيَ كَسْرًا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَحَلٍّ عَمْدًا وَبِالنِّسْبَةِ إلَى آخَرَ خَطَأً، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ تَسْمِيَةُ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ بِأَسَامٍ مُخْتَلِفَةٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَحَالِّ وَلَا نِزَاعَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنْ يَتَعَدَّدَ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ فَيَصِيرُ فِعْلَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ انْتَهَى.

أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ تَسْمِيَةُ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ بِحَيْثِيَّاتِ انْضِمَامِ قُيُودٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَوْصَافٍ مُتَضَادَّةٍ إلَيْهِ بِأَسَامٍ مُخْتَلِفَةٍ لَا تَسْمِيَةَ ذَلِكَ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فِعْلٌ وَاحِدٌ بِتِلْكَ الْأَسَامِي الْمُخْتَلِفَةِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الرَّمْيَ مِنْ حَيْثُ أَصَابَ الْكُوزَ لَا يُسَمَّى جُرْحًا وَلَا قَتْلًا بَلْ يُسَمَّى كَسْرًا، وَكَذَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَصَابَ حَيَوَانًا وَمَزَّقَ جِلْدَهُ أَوْ قَتَلَهُ لَا يُسَمَّى كَسْرًا بَلْ يُسَمَّى جُرْحًا أَوْ قَتْلًا.

وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ اخْتِلَافَ تِلْكَ الْأَسَامِي بِاخْتِلَافِ الْأَوْصَافِ الْمُنْضَمَّةِ إلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ تَقَرَّرَ اخْتِلَافُ مُسَمَّيَاتِ تِلْكَ الِأَسَامِي أَيْضًا فَكَانَ مُنَاسِبًا لِمَا نَحْنُ فِيهِ مُفِيدًا لَهُ.

ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنْ يَتَعَدَّدَ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ فَيَصِيرُ فِعْلَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنْ يَتَعَدَّدَ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ بِحَسَبِ الذَّاتِ بِحَيْثُ يَصِيرُ فِعْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ بَلْ لَا نُسَلِّمُ إمْكَانَ ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنْ يَتَعَدَّدَ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ بِتَعَدُّدِ الْأَوْصَافِ الْمُتَضَادَّةِ الْمُنْضَمَّةِ إلَيْهِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنَّ هَذَا التَّعَدُّدَ يَحْصُلُ قَطْعًا بِتَعَدُّدِ الْأَسَامِي تَعَدُّدًا نَاشِئًا مِنْ تَعَدُّدِ الْمُسَمَّيَاتِ بِالْحَيْثِيَّاتِ الْمُخْتَلِفَةِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ، وَمُرَادُ ذَلِكَ الْقَائِلِ كَمَا عَرَفْت آنِفًا. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْخَطَأُ يَسْتَلْزِمُ إبَاحَةً لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ، وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا أَمْرًا دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْخَطَأَ هُوَ تَحَقُّقُ الْجِنَايَةِ فِي إنْسَانٍ مُخَالِفٍ لِظَنِّ الْجَانِي كَمَنْ رَمَى إلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ صَيْدًا فَإِذَا هُوَ إنْسَانٌ، أَوْ لِقَصْدِهِ مُطْلَقًا كَمَنْ رَمَى إلَى هَدَفٍ فَأَصَابَ إنْسَانًا وَكَاَلَّذِي نَحْنُ فِيهِ، وَالرَّمْيُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُخَالِفِ لَهُمَا كَالرَّمْيِ لَا إلَى مُعَيَّنٍ وَذَلِكَ مُبَاحٌ لَا مَحَالَةَ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي تَحْرِيرِ جَوَابِهِ نَوْعُ خَلَلٍ، فَإِنَّ تَمْثِيلَ قَوْلِهِ أَوْ لِقَصْدِهِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ كَمَنْ رَمَى إلَى هَدَفٍ فَأَصَابَ إنْسَانًا، وَكَاَلَّذِي نَحْنُ فِيهِ يُشْعِرُ بِأَنْ تَكُونَ الْإِصَابَةُ لِإِنْسَانٍ عِنْدَ الرَّمْيِ إلَى هَدَفٍ وَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الْخَطَإِ فِي الْقَصْدِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ قَبِيلِ الْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ كَمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ.

(فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْفِعْلَيْنِ)

لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ حُكْمَ الْفِعْلَيْنِ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ يَدُهُ إلَخْ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا اخْتَلَفَ حُكْمُ الْفِعْلَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا عَمْدًا

<<  <  ج: ص:  >  >>