للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ

قَالَ (وَإِذَا بَاعَ دَارًا إلَّا مِقْدَارَ ذِرَاعٍ مِنْهَا فِي طُولِ الْحَدِّ الَّذِي يَلِي الشَّفِيعَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) لِانْقِطَاعِ الْجِوَارِ، وَهَذِهِ حِيلَةٌ، وَكَذَا إذَا وَهَبَ مِنْهُ هَذَا الْمِقْدَارَ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا، قَالَ (وَإِذَا ابْتَاعَ مِنْهَا سَهْمًا بِثَمَنٍ ثُمَّ ابْتَاعَ بَقِيَّتَهَا فَالشُّفْعَةُ لِلْجَارِ فِي السَّهْمِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي) لِأَنَّ الشَّفِيعَ جَارٍ فِيهِمَا، إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي الثَّانِي شَرِيكٌ فَيَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ،

الشَّارِحُ الْأَتْقَانِيُّ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَنَقَلْنَاهُ عَنْهُ، وَذَكَرْنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْكَلِمَاتِ هُنَالِكَ.

وَقَصَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ دَفْعَ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ فَرَّقَ مَا بَيْنَ شَرْطٍ وَشَرْطٍ، فَمَا سَبَقَ كَانَ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ الشُّفْعَةِ وَالرِّضَا بِالْجِوَارِ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ هُنَا فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ لِلشَّفِيعِ أَدَاءُ مَا اشْتَرَى بِهِ الدَّارَ لَمْ يَدُلَّ تَسْلِيمُهُ عَلَى الْإِعْرَاضِ، إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى أَخْذِهِ، وَكَذَا تَسْلِيمُهُ لِزَيْدٍ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِجِوَارِ عَمْرٍو فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ كَلَامُهُ أَقُولُ: هَذَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ حَاصِلَهُ حَمْلُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَبَقَ عَلَى الشَّرْطِ الْمَخْصُوصِ وَهُوَ الشَّرْطُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ، وَحَمْلُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ عَلَى الشَّرْطِ الْمَخْصُوصِ الْآخَرِ وَهُوَ الشَّرْطُ الَّذِي لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَلَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ شَيْئًا مِنْ كَلَامَيْهِمَا لَا يُسَاعِدُ ذَلِكَ أَصْلًا، أَمَّا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَلِأَنَّهُ قَالَ: وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ فَبِالْفَاسِدِ أَوْلَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَوْلَوِيَّةَ عَدَمِ تَعَلُّقِ إسْقَاطِهِ بِالْفَاسِدِ مِنْ عَدَمِ تَعَلُّقِ إسْقَاطِهِ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ إنَّمَا تَظْهَرُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالشَّرْطِ الْجَائِزِ جِنْسَ الشَّرْطِ الْجَائِزِ لَا الشَّرْطَ الْجَائِزَ الْمَخْصُوصَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِخُصُوصِهِ حَالَةٌ مَانِعَةٌ عَنْ التَّعْلِيقِ لَمْ تُوجَدْ تِلْكَ فِي الْفَاسِدِ، وَأَمَّا كَلَامُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَصَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِ تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ إسْقَاطًا مَحْضًا إنَّمَا هُوَ صِحَّةُ تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ مُطْلَقًا لَا صِحَّةُ تَعْلِيقِهِ بِشَرْطٍ مُعَيَّنٍ، سِيَّمَا الشَّرْطَ الَّذِي لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ، فَإِنَّ كَوْنَهُ إسْقَاطًا يَقْتَضِي الْإِعْرَاضَ دُونَ عَدَمِ الْإِعْرَاضِ، تَأَمَّلْ تَقِفْ

(فَصْلٌ)

لَمَّا كَانَتْ الشُّفْعَةُ تَسْقُطُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ عُلِمَ تِلْكَ الْأَحْوَالُ فِي هَذَا الْفَصْلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْجَارُ فَاسِقًا يُتَأَذَّى بِهِ، وَفِي اسْتِعْمَالِ الْحِيلَةِ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ يَحْصُلُ الْخَلَاصُ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْجَارِ فَاحْتِيجَ إلَى بَيَانِهِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَمَّا كَانَ يَتَّجِهُ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا التَّوْجِيهِ أَنَّ الْبَائِعَ يُخْرِجُ الْمَبِيعَ مِنْ يَدِهِ وَمِلْكِهِ بِالْبَيْعِ فَيَحْصُلُ بِهِ الْخَلَاصُ لَهُ مِنْ أَذِيَّةِ مِثْلِ ذَلِكَ الْجَارِ الْفَاسِقِ فَمَا الِاحْتِيَاجُ إلَى اسْتِعْمَالِ الْحِيلَةِ لِإِسْقَاطِ شُفْعَتِهِ؟ تَدَارَكَ دَفْعَ ذَلِكَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ: قَوْلُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ يُتَأَذَّى بِهِ فِي قَوْلِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْجَارُ فَاسِقًا يُتَأَذَّى بِهِ بِأَنْ قَالَ فِي اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ، وَقَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ دَارٌ أُخْرَى وَرَاءَ دَارِهِ الْمَبِيعَةِ فَتَدَبَّرْ اهـ أَقُولُ: الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ الْمَقْصُودُ مِنْ إسْقَاطِ شُفْعَةِ مِثْلِ ذَلِكَ الْجَارِ الْفَاسِقِ الَّذِي يُتَأَذَّى بِهِ دَفْعُ تَأَذِّي الْجِيرَانِ الْمُلَاصِقِينَ بِالدَّارِ الْمَبِيعَةِ دُونَ دَارِ ذَلِكَ الْجَارِ الْفَاسِقِ، لَا دَفْعُ مُجَرَّدِ تَأَذِّي نَفْسِ الْبَائِعِ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>