ظُلْمًا فَيَتَخَيَّرُ، وَهَذَا لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُقَارِنَةٌ حُكْمًا مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا يُشَارِكُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، وَمُتَأَخِّرَةٌ حُكْمًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي حَقِّهَا فَجُعِلَتْ كَالْمُقَارِنَةِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ لِإِبْطَالِهِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ حَقِّ وَلِيِّ الثَّانِيَةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ. (وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْمُدَبَّرَ وَقَدْ جَنَى جِنَايَاتٍ لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالْمَنْعِ فَصَارَ وُجُودُ الْإِعْتَاقِ مِنْ بَعْدُ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ (وَأُمُّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْمُدَبَّرِ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا) لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ مَانِعٌ مِنْ الدَّفْعِ كَالتَّدْبِيرِ (وَإِذَا أَقَرَّ الْمُدَبَّرُ بِجِنَايَةِ الْخَطَإِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ عَتَقَ أَوْ لَمْ يُعْتَقْ) لِأَنَّ مُوجَبَ جِنَايَةِ الْخَطَإِ عَلَى سَيِّدِهِ وَإِقْرَارَهُ بِهِ لَا يَنْفُذُ عَلَى السَّيِّدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
عَنْهُ عِبَارَةُ الشُّرَّاحِ حَيْثُ قَالُوا: قَدَّمَ مَنْ هُوَ أَكْمَلُ فِي اسْتِحْقَاقِ اسْمِ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَهُوَ الْعَبْدُ تَبَصَّرْ.
(بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ) (قَوْلُهُ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: يَعْنِي لَمَّا عَمِلْنَا بِشَبَهِ التَّأَخُّرِ فِي ضَمَانِ الْجِنَايَةِ حَتَّى اعْتَبَرْنَا قِيمَتَهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي حَقِّهَا وَجَبَ أَنْ نَعْمَلَ بِشَبَهِ الْمُقَارَنَةِ فِي حَقِّ تَضْمِينِ نِصْفِ الْمَدْفُوعِ اهـ.
أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: قَدْ تَحَقَّقَ الْعَمَلُ بِشَبَهِ الْمُقَارَنَةِ فِي حَقِّ تَشْرِيكِ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، إذْ لَوْلَا الْعَمَلُ بِذَلِكَ لَكَانَ الْمَدْفُوعُ كُلُّهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، خَاصَّةً لِتَقَدُّمِهِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْمَدْفُوعِ عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَلَكِنْ لَمَّا جَعَلْنَاهُ الثَّانِيَةَ مُقَارِنَةً لِلْأُولَى حُكْمًا عَمِلْنَا بِشَبَهِ الْمُقَارَنَةِ فَشَرَكْنَا وَلِيَّ الثَّانِيَةِ لِوَلِيِّ الْأُولَى كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُقَارِنَةً حُكْمًا مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا يُشَارِكُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، فَإِذَا وَقَعَ الْعَمَلُ بِشَبَهِ الْمُقَارَنَةِ مَرَّةً فَقَدْ وُجِدَ الْعَمَلُ بِالشَّبَهَيْنِ فَلَمْ يَبْقَ الِاحْتِيَاجُ إلَى الْعَمَلِ بِشَبَهِهِمَا مَرَّةً أُخْرَى بِتَضْمِينِ بَعْضِ الْمَدْفُوعِ لِلْمَوْلَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْمَقَامِ: جُعِلَتْ الثَّانِيَةُ كَالْمُقَارِنَةِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ إذَا وَقَعَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الثَّانِي، وَلَمْ تُجْعَلْ كَالْمُقَارِنَةِ إذَا وَقَعَ بِقَضَاءٍ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ بِالدَّفْعِ عَمَلًا بِشَبَهَيْ الْمُقَارَنَةِ وَالتَّأَخُّرِ اهـ.
وَقَدْ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِقِيلَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ بِشَيْءٍ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ، لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالشَّبَهَيْنِ أَمْرٌ وَاجِبٌ مَهْمَا أَمْكَنَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. فَلَمَّا أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ وَهِيَ مَا إذَا وَقَعَ الدَّفْعُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَمَا ظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ لَمْ يَصِحَّ الْمَصِيرُ فِي اعْتِبَارِ الْعَمَلِ بِهِمَا إلَى التَّوْزِيعِ عَلَى مَجْمُوعِ الصُّورَتَيْنِ كَمَا فَعَلَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ، وَإِنَّمَا كَانَ يَصِحُّ ذَاكَ لَوْ لَمْ يُتَصَوَّرْ الْعَمَلُ بِهِمَا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ. بَلْ كَانَ اعْتِبَارُهُ مَوْقُوفًا عَلَى مَجْمُوعِ الصُّورَتَيْنِ وَلَيْسَ فَلَيْسَ. ثُمَّ إنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ: يَتَحَقَّقُ الْعَمَلُ بِالشَّبَهَيْنِ بِأَنْ تُجْعَلَ الثَّانِيَةُ كَالْمُقَارَنَةِ لِلْأُولَى فِي حَقِّ تَشْرِيكِ وَلِيِّ الثَّانِيَةِ لِوَلِيِّ الْأُولَى، وَأَنْ تُجْعَلَ مُتَأَخِّرَةً عَنْهَا مِنْ حَيْثُ إنْ يَعْتَبِرَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ فَلَمْ يَقْتَضِ الْعَمَلَ بِهِمَا مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute