(بَابُ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلَانِ)
قَالَ (وَإِذَا ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ آخَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهَا لَهُ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ بِهَا بَيْنَهُمَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ: تَهَاتَرَتَا، وَفِي قَوْلٍ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْمِلْكَيْنِ فِي الْكُلِّ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ تَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ فَيَتَهَاتَرَانِ أَوْ يُصَارُ إلَى الْقُرْعَةِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ ﵊ أَقْرَعَ فِيهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الْحَكَمُ بَيْنَهُمَا» وَلَنَا حَدِيثُ تَمِيمِ بْنِ طَرْفَةَ
بَابُ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلَانِ)
لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ دَعْوَى الْوَاحِدِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ حُكْمِ دَعْوَى الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِذَا ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ آخَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهَا) أَيْ الْعَيْنَ (لَهُ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ) أَيْ عَلَى مَا ادَّعَاهُ (قَضَى بِهَا بَيْنَهُمَا) أَيْ نِصْفَيْنِ، وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي دَعْوَى مِلْكِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهَا امْرَأَتُهُ لَمْ يَقْضِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالِاتِّفَاقِ وَفِي دَعْوَى الْخَارِجِينَ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَوْ كَانَتْ بَيْنَ الْخَارِجِ وَصَاحِبِ الْيَدِ وَأَقَامَا بَيِّنَةً فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى عِنْدَنَا.
وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ: تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَيَكُونُ الْمُدَّعَى لِذِي الْيَدِ تَرْكًا فِي يَدِهِ وَهُوَ قَضَاءُ تَرْكٍ لَا قَضَاءُ مِلْكٍ. وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فَيُقْضَى بِهِ لِذِي الْيَدِ قَضَاءَ مِلْكٍ وَفِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّ فِي الْمُقَيَّدِ بِالسَّبَبِ الْمُعَيَّنِ أَوْ بِالتَّارِيخِ تَفْصِيلًا وَخِلَافًا كَمَا سَيَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا (فِي قَوْلِ تَهَاتَرَتَا) أَيْ الْبَيِّنَتَانِ: أَيْ تَسَاقَطَتَا وَبَطَلَتَا، مَأْخُوذٌ مِنْ الْهِتْرِ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَهُوَ السَّقْطُ مِنْ الْكَلَامِ وَالْخَطَإِ فِيهِ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (وَفِي قَوْلِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ وَيَقْضِي لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ (لِأَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْمِلْكَيْنِ فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي كُلِّ الْعَيْنِ (فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ تَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ) أَيْ بَيْنَ الصَّادِقَةِ مِنْهَا وَالْكَاذِبَةِ فَيَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِهِمَا (فَيَتَهَاتَرَانِ) كَمَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ، وَآخَرَانِ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ بِالْكُوفَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهَذَا لِأَنَّ تُهْمَةَ الْكَذِبِ تَمْنَعُ الْعَمَلَ بِالشَّهَادَةِ فَالتَّيَقُّنُ بِهِ أَوْلَى، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَة (أَوْ يُصَارُ إلَى الْقُرْعَةِ «لِأَنَّهُ ﵊ أَقَرَعَ فِيهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الْحَكَمُ بَيْنَهُمَا») رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي أَمَةٍ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَأَقْرَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَهُمَا وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ تَقْضِي بَيْنَ عِبَادِك بِالْحَقِّ، ثُمَّ قَضَى بِهَا لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ» (وَلَنَا حَدِيثُ تَمِيمِ بْنِ طَرْفَةَ) الطَّائِيِّ رِوَايَةً عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute