فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ: سَرَقْت، بِخِلَافِ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ فَلَا يُحْتَرَزُ عَنْ كَشْفِهِ
(وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: ابْتَعْتُهُ مِنْ فُلَانٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْيَدِ: أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ ذَلِكَ أُسْقِطَتْ الْخُصُومَةُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُمَا تَوَافَقَا عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ فِيهِ لِغَيْرِهِ فَيَكُونُ وُصُولُهَا إلَى ذِي الْيَدِ مِنْ جِهَتِهِ فَلَمْ تَكُنْ يَدُهُ يَدَ خُصُومَةٍ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ كَوْنَهُ أَحَقَّ بِإِمْسَاكِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
التَّعْيِينِ لِشُبْهَةِ كَوْنِ السَّارِقِ غَيْرَهُ؟ وَأَمَّا فِي الْجَوَابِ فَلِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ جَعْلَ ذِي الْيَدِ خَصْمًا وَالْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ إلَى الْمُدَّعِي فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الِاحْتِيَالِ لِدَرْءِ الْحَدِّ، وَأَنَّ الِاحْتِيَالَ لِدَرْئِهِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ لَا مِنْ قِبَلِ الْمُدَّعِي، وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ كَمَا تَرَى غَيْرَ تَامٍّ فِي نَفْسِهِ، لِأَنَّ ظُهُورَ سَرِقَةِ ذِي الْيَدِ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَقِينٍ أَمْرٌ مَوْهُومٌ وَخُرُوجُ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ مِنْ يَدِهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِهَا أَمْرٌ مُحَقَّقٌ فَكَيْفَ يَرْتَكِبُ الضَّرَرَ الْمُحَقَّقَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْمَوْهُومِ سِيَّمَا إذَا اعْتَرَفَ بِأَنَّهَا مِلْكُ الْغَيْرِ أُودَعَهَا عِنْدَهُ، فَإِنَّ إتْلَافَ مَالِ أَحَدٍ لِدَفْعِ ضَرَرٍ مَوْهُومٍ عَنْ آخَرَ غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الشَّرْعِ (فَصَارَ) أَيْ فَصَارَ مَا إذَا قَالَ سُرِقَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (كَمَا إذَا سَرَقْت) بِالتَّعْيِينِ وَالْخِطَابِ (بِخِلَافِ الْغَصْبِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: غُصِبَ مِنِّي بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ حَيْثُ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ بِإِثْبَاتِ الْوَدِيعَةِ بِالِاتِّفَاقِ (لِأَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ) أَيْ فِي الْغَصْبِ (فَلَا يُحْتَرَزُ عَنْ كَشْفِهِ) فَلَمْ يَكُنْ الْمُدَّعِي مَعْذُورًا فِي التَّجْهِيلِ.
(وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي: ابْتَعْتُهُ مِنْ فُلَانٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْيَدِ: أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ ذَلِكَ) أَيْ فُلَانٌ الَّذِي قَالَ الْمُدَّعِي: ابْتَعْتُهُ مِنْهُ (أَسْقَطَ الْخُصُومَةَ) أَيْ أَسْقَطَ صَاحِبُ الْيَدِ الْخُصُومَةَ عَنْ نَفْسِهِ (بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (لِأَنَّهُمَا تَوَافَقَا عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ فِيهِ) أَيْ فِي الشَّيْءِ الْمُدَّعِي (لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ (فَيَكُونُ وُصُولُهَا) أَيْ وُصُولُ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ، وَكَانَ الْمُطَابِقُ لِلضَّمَائِرِ السَّابِقَةِ أَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ: فَيَكُونُ وُصُولُهُ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، وَلَكِنَّهُ يُشْبِهُ أَنَّهُ قَصَدَ التَّفَنُّنَ فِي الْعِبَارَةِ (إلَى يَدِ ذِي الْيَدِ مِنْ جِهَتِهِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْغَيْرِ (فَلَمْ تَكُنْ يَدُهُ يَدَ خُصُومَةٍ إلَّا أَنْ يُقِيمَ) أَيْ الْمُدَّعِي (الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا) أَيْ فُلَانًا الْمَذْكُورَ (وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ) أَيْ بِقَبْضِ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ كَوْنَهُ أَحَقَّ بِإِمْسَاكِهَا) أَيْ بِإِمْسَاكِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ كَأَنَّهُ قَصَدَ التَّفَنُّنَ هَاهُنَا أَيْضًا حَيْثُ قَالَ أَوَّلًا بِقَبْضِهِ بِالتَّذْكِيرِ، وَثَانِيًا بِإِمْسَاكِهَا بِالتَّأْنِيثِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute