لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ اعْتَرَفَ بِكَوْنِهِ خَصْمًا (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: غَصَبْتَهُ مِنِّي أَوْ سَرَقْتَهُ مِنِّي لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ وَإِنْ أَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَدِيعَةِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ خَصْمًا بِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ لَا بِيَدِهِ، بِخِلَافِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِيهِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ حَتَّى لَا يَصِحَّ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ وَيَصِحُّ دَعْوَى الْفِعْلِ.
(وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: سَرَقَ مِنِّي وَقَالَ صَاحِبُ الْيَدِ: أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَمْ تَنْدَفِعْ الْخُصُومَةُ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَنْدَفِعُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الْفِعْلَ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ: غُصِبَ مِنِّي عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَلَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ يَسْتَدْعِي الْفَاعِلَ لَا مَحَالَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي فِي يَدِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ دَرْءًا لِلْحَدِّ شَفَقَةً عَلَيْهِ وَإِقَامَةً لِحِسْبَةِ السِّرِّ
اشْتَرَيْت هَذَا الشَّيْءَ مِنْ الْغَائِبِ فَهُوَ خَصْمٌ لِلْمُدَّعِي (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لَمَّا زَعَمَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ اعْتَرَفَ بِكَوْنِهِ خَصْمًا) كَمَا لَوْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي غَصَبْتَهُ مِنِّي) أَيْ غَصَبْتَ هَذَا الشَّيْءَ مِنِّي (أَوْ سَرَقْتَهُ مِنِّي لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ وَإِنْ أَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَدِيعَةِ، لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ (إنَّمَا صَارَ خَصْمًا بِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ) أَيْ بِدَعْوَى الْمُدَّعِي الْفِعْلَ وَهُوَ الْغَصْبُ أَوْ السَّرِقَةُ عَلَى ذِي الْيَدِ (لَا بِيَدِهِ) أَيْ لَمْ يَصِرْ ذُو الْيَدِ فِي دَعْوَى الْفِعْلِ خَصْمًا بِيَدِهِ.
ثُمَّ إنَّ فِعْلَ ذِي الْيَدِ لَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ حَتَّى يُقَالَ: إنَّهُ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ فِعْلَهُ فِعْلُ غَيْرِهِ بَلْ فِعْلُهُ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ (بِخِلَافِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ) أَيْ ذَا الْيَدِ (خَصْمٌ فِيهِ) أَيْ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ بِتَأْوِيلِ الِادِّعَاءِ (بِاعْتِبَارِ يَدِهِ حَتَّى لَا تَصِحَّ دَعْوَاهُ) أَيْ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ (عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ) وَيَدُهُ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ فَيَكُونَ خَصْمًا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونَ خَصْمًا، وَبِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَثْبَتَ أَنَّ يَدَهُ لِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا (وَيَصِحُّ دَعْوَى الْفِعْلِ) أَيْ يَصِحُّ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ كَمَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ عَلَى ذِي الْيَدِ.
(وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي سُرِقَ مِنِّي) أَيْ إنْ قَالَ الْمُدَّعِي سُرِقَ مِنِّي هَذَا الشَّيْءُ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ (وَقَالَ صَاحِبُ الْيَدِ: أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ) أَيْ عَلَى أَنَّ فُلَانًا أَوْدَعَنِيهِ إيَّاهُ (لَمْ تَنْدَفِعْ الْخُصُومَةُ) هَذَا أَيْضًا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَنْدَفِعُ) أَيْ الْخُصُومَةُ وَهُوَ الْقِيَاسُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (لَمْ يَدَّعِ الْفِعْلَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذِي الْيَدِ (فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ) أَيْ الْمُدَّعِي (غُصِبَ مِنِّي عَلَى مَا لَمْ يُسَمِّ فَاعِلَهُ) يَعْنِي أَنَّ التَّجْهِيلَ أَفْسَدَ دَعْوَى السَّرِقَةِ فَبَقِيَ دَعْوَى الْمِلْكِ فَتَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ بِإِثْبَاتِ الْوَدِيعَةِ، كَمَا لَوْ جَهِلَ الْغَصْبَ وَقَالَ: غُصِبَ مِنِّي عَلَى مَا لَمْ يُسَمِّ فَاعِلَهُ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَدِيعَةِ مِنْ آخَرَ فَإِنَّهُ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ هُنَاكَ فَكَذَا هُنَا، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (وَلَهُمَا) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (أَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ) وَهُوَ السَّرِقَةُ (يَسْتَدْعِي الْفِعْلَ لَا مَحَالَةَ) لِأَنَّ الْفِعْلَ بِدُونِ الْفَاعِلِ لَا يُتَصَوَّرُ (وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ) أَيْ الْفَاعِلُ (وَهُوَ الَّذِي فِي يَدِهِ إلَّا أَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (لَمْ يُعَيِّنْهُ) أَيْ لَمْ يُعَيِّنْ الْفَاعِلَ (دَرْءًا لِلْحَدِّ شَفَقَةً عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذِي الْيَدِ (وَإِقَامَةً لِحِسْبَةِ السِّتْرِ) أَيْ لَأَجْلِ السِّتْرِ.
قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ تَنْدَفِعْ الْخُصُومَةُ فَرُبَّمَا يَقْضِي بِالْعَيْنِ عَلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ جَعَلَهُ سَارِقًا فَمَا وَجْهُ الدَّرْءِ حِينَئِذٍ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ إذَا جُعِلَ خَصْمًا وَقَضَى عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ إلَى الْمُدَّعِي، وَإِنْ ظَهَرَ سَرِقَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَقِينٍ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ لِظُهُورِ سَرِقَتِهِ بَعْدَ وُصُولِ الْمَسْرُوقِ إلَى الْمَالِكِ، وَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ سَارِقًا انْدَفَعَ الْخُصُومَةُ عَنْهُ وَلَمْ يَقْضِ بِالْعَيْنِ لِلْمُدَّعِي، فَمَتَى ظَهَرَتْ سَرِقَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَقِينٍ قُطِعَتْ يَدُهُ لِظُهُورِهَا قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْعَيْنُ إلَى الْمَالِكِ، فَكَانَ فِي جَعْلِهِ سَارِقًا احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ انْتَهَى، وَأَقُولُ: فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ نَظَرٌ.
أَمَّا فِي السُّؤَالِ فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَفِي ذَلِكَ جَعَلَهُ سَارِقًا أَنَّ فِي ذَلِكَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِمُوجِبِ السَّرِقَةِ وَهُوَ الْقَطْعُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَ تَعْيِينِ كَوْنِهِ السَّارِقَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ فِي ذَلِكَ مُجَرَّدَ جَعْلِهِ خَصْمًا فِي دَعْوَى كَوْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ مَسْرُوقًا مِنْ الْمُدَّعِي فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا وَجْهَ حِينَئِذٍ لِقَوْلِهِ فَمَا وَجْهُ الدَّرْءِ حِينَئِذٍ إذْ وَجْهُهُ حِينَئِذٍ ظَاهِرٌ وَهُوَ سُقُوطُ الْقَطْعِ بِعَدَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute