كِتَابُ الْغَصْبِ
الْغَصْبُ فِي اللُّغَةِ: أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ التَّغَلُّبِ لِلِاسْتِعْمَالِ فِيهِ
جُمْلَتِهَا إقْرَارُ الصَّبِيِّ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ نَفْسَ الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ فَمُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا يُجْدِي هَذَا شَيْئًا فِي دَفْعِ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ اللَّازِمَ مِنْهُ أَنْ يُمَلِّكَ الْوَلِيُّ الْإِذْنَ لِلصَّبِيِّ بِالْإِقْرَارِ وَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ تَمَلُّكَ الصَّبِيِّ الْإِقْرَارَ عَلَى نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وِلَايَةٌ مُتَعَدِّيَةٌ مِنْ الْوَلِيِّ إلَى الصَّبِيِّ، وَالْوِلَايَةُ الْمُتَعَدِّيَةُ فَرْعُ الْوِلَايَةِ الْقَائِمَةِ وَالْوَلِيُّ لَا يَمْلِكُ نَفْسَ الْإِقْرَارِ عَلَى الصَّبِيِّ بِالْإِجْمَاعِ فَلَمْ تَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ قَائِمَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِ الْإِقْرَارِ عَلَى الصَّبِيِّ فَكَيْفَ تَتَعَدَّى مِنْهُ الْوِلَايَةُ إلَى الصَّبِيِّ فِي حَقِّ ذَلِكَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ حَدِيثَ أَنْ يَمْلِكَ الْوَلِيُّ الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ وَتَوَابِعِهَا فِي أَثْنَاءِ الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ يَصِيرُ لَغْوًا مِنْ الْكَلَامِ. ثُمَّ أَقُولُ: لَعَلَّ الصَّوَابَ فِي الْجَوَابِ مَنْعُ كَوْنِ وِلَايَةِ الصَّبِيِّ وِلَايَةً مُتَعَدِّيَةً، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ الصَّبِيَّ يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّتِهِ وَالصِّبَا لَيْسَ سَبَبَ الْحَجْرِ لِذَاتِهِ بَلْ لِعَدَمِ هِدَايَتِهِ، وَإِذْنُ الْوَلِيِّ إنَّمَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى زَوَالِ ذَلِكَ الْمَانِعِ كَمَا كَانَ الْبُلُوغُ دَلِيلًا عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ يَكْتَسِبُ الْوِلَايَةَ مِنْ إذْنِهِ، إلَّا أَنَّ الصِّبَا لَمَّا كَانَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَرْحَمَةِ بِالْحَدِيثِ لَمْ يُؤَهَّلْ الصَّبِيُّ أَصْلًا لِمَا هُوَ ضَارٌّ مَحْضٌ وَأُهِّلَ لِمَا هُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ قَبْلَ الْإِذْنِ وَبَعْدَهُ، وَأُهِّلَ لِمَا هُوَ دَائِرٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ بَعْدَ الْإِذْنِ فَقَطْ، وَالْإِقْرَارُ لَمَّا كَانَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ دَارَ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ، إذْ مَنْ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ يَحْتَرِزُ النَّاسُ عَنْ مُعَامَلَتِهِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ فَأُهِّلَ الصَّبِيُّ لَهُ بَعْدَ الْإِذْنِ وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ عَلَيْهِ ذَاتِيَّةً لَا مُتَعَدِّيَةً مِنْ الْوَلِيِّ، فَتَبَصَّرْ فَإِنَّ هَذَا تَوْجِيهٌ حَسَنٌ وَجَوَابٌ شَافٍ تَنْحَسِمُ بِهِ مَادَّةُ الْإِشْكَالِ بِالْكُلِّيَّةِ.
(كِتَابُ الْغَصْبِ)
إيرَادُ الْغَصْبِ بَعْدَ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْغَصْبَ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ مَآلًا حَتَّى أَنَّ إقْرَارَ الْمَأْذُونِ لَمَّا صَحَّ بِدُيُونِ التِّجَارَةِ دُونَ غَيْرِهَا صَحَّ بِدَيْنِ الْغَصْبِ، وَلَمْ يَصِحَّ بِدِينِ الْمَهْرِ لِكَوْنِ الْأَوَّلِ مِنْ التِّجَارَةِ دُونَ الثَّانِي فَكَانَ ذِكْرُ النَّوْعِ بَعْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute