للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ، وَكَذَا بِمَوْرُوثِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، كَمَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْعَبْدِ.

وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ وَلَا كِتَابَتِهِ كَمَا فِي الْعَبْدِ وَالْمَعْتُوهِ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ يَصِيرُ مَأْذُونًا بِإِذْنِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ دُونَ غَيْرِهِمْ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّبِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الْمُسْتَفَادِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا غَيْرَ.

وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَعَلَّ خُلَاصَةَ الْجَوَابِ الثَّانِي مَنْعُ دَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَى الْعُمُومِ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا أَيْضًا بِسَدِيدٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ دَلَالَةَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ قَوْلُهُ إنَّ مَا يَثْبُتُ فِي الْعَبْدِ مِنْ الْأَحْكَامِ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ عَلَى الْعُمُومِ ظَاهِرَةٌ لَا تَقْبَلُ الْمَنْعَ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ " مَا " مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ وَقَدْ تَأَكَّدَ بَيَانُهَا بِقَوْلِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ، فَإِنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ بِاللَّامِ أَيْضًا مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ وَالِاسْتِغْرَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَعْهُودٌ كَمَا تَقَرَّرَ هَذَا أَيْضًا فِي عِلْمِ الْأُصُولِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْجَوَابِ الثَّانِي أَصْلًا عَلَى مَنْعِ دَلَالَةِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْعُمُومِ وَلَا تَعَرُّضَ لَهُ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَإِنَّمَا مَضْمُونُهُ مُجَرَّدُ بَيَانِ الْعِلَّةِ فِي انْحِجَارِ الْمَوْلَى عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْعَبْدِ وَعَدَمِ انْحِجَارِ الْوَلِيِّ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَحَمْلُ ذَلِكَ الْجَوَابِ عَلَى مَنْعِ دَلَالَةِ الْكَلَامِ مِمَّا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ أَصْلًا

(قَوْلُهُ وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ) أُورِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْوِلَايَةَ الْمُتَعَدِّيَةَ فَرْعُ الْوِلَايَةِ الْقَائِمَةِ، وَالْوَلِيُّ لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ عَلَى مَالِ الصَّبِيِّ فَكَيْفَ يَمْلِكُهُ الصَّبِيُّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ؟ أُجِيبُ عَنْهُ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِأَنَّ الْوَلِيَّ إنَّمَا لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ قَوْلٌ مِنْ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ، وَمَا يَثْبُتُ عَلَى الْغَيْرِ بِقَوْلِهِ فَهُوَ شَهَادَةٌ، وَإِقْرَارُ الْوَلِيِّ عَلَى الصَّغِيرِ قَوْلٌ عَلَى الْغَيْرِ فَيَكُونُ شَهَادَةً وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ لَا تَكُونُ حُجَّةً.

وَأَمَّا قَوْلُ الصَّبِيِّ بَعْدَ الْإِذْنِ فَهُوَ إقْرَارٌ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَمِمَّا لَا تَتِمُّ التِّجَارَةُ إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إذَا عَلِمُوا أَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَصِحُّ يَتَحَرَّزُونَ عَنْ مُعَامَلَتِهِ، فَإِنَّ مَنْ يُعَامِلُهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدِينَ فَلِهَذَا جَازَ إقْرَارُهُ اهـ. أَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ لَا يَدْفَعَ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ بَيَانُ عِلِّيَّةِ عَدَمِ صِحَّةِ إقْرَارِ الْوَلِيِّ عَلَى الصَّبِيِّ وَصِحَّةِ إقْرَارِ الصَّبِيِّ بِنَفْسِهِ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ كَمَا تَرَى فِي انْدِفَاعِ الْإِيرَادِ بِأَنَّ الْوِلَايَةَ الْمُتَعَدِّيَةَ فَرْعُ الْوِلَايَةِ الْقَائِمَةِ، وَهَاهُنَا لَمْ تَتَحَقَّقْ الْوِلَايَةُ الْقَائِمَةُ فَكَيْفَ تَتَحَقَّقُ الْوِلَايَةُ الْمُتَعَدِّيَةُ؟ وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ تَنَبَّهَ لِمَا فِي الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْهُ بَلْ قَالَ بَدَلَهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَفَادَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ وَالْوَلِيُّ يَمْلِكُ الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ وَتَوَابِعِهَا اهـ.

أَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ أَيْضًا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنَّ الْوَلِيَّ يَمْلِكُ الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ وَتَوَابِعِهَا فَيَمْلِكُ أَيْضًا نَفْسَ التِّجَارَةِ وَتَوَابِعَهَا الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا إقْرَارُهُ عَلَى مَالِ الصَّبِيِّ فَمَمْنُوعٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ إقْرَارَ الْوَلِيِّ عَلَى مَالِ الصَّبِيِّ لَيْسَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ بَلْ لَيْسَ مِمَّا يَصِحُّ أَصْلًا فَأَنَّى يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْوَلِيَّ يَمْلِكُ الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ وَتَوَابِعِهَا الَّتِي مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>