للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ)

قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ فَهُمْ الْمُلَاصِقُونَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هُمْ الْمُلَاصِقُونَ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَسْكُنُ مَحَلَّةَ الْمُوصِي وَيَجْمَعُهُمْ مَسْجِدُ الْمَحَلَّةِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَقَوْلُهُ قِيَاسٌ لِأَنَّ الْجَارَ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ وَهِيَ الْمُلَاصَقَةُ حَقِيقَةً

قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّ السَّفَرَ بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَقَعَ قُرْبَةً وَسَقَطَ فَرْضُ قَطْعِ الْمَسَافَةِ بِقَدْرِهِ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّ السَّفَرَ بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَقَعَ قُرْبَةً إلَخْ مَدْفُوعٌ بِقَوْلِهِ «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ إلَّا ثَلَاثَةٌ» فَإِنَّ الْخُرُوجَ لِلْحَجِّ لَيْسَ مِنْهُ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُكَفِّرَ إذَا أَطْعَمَ بَعْضَ الْمَسَاكِينِ فَمَاتَ وَأَوْصَى بِهِ وَجَبَ الْإِكْمَالُ بِمَا بَقِيَ بِالِاتِّفَاقِ وَلَمْ يَنْقَطِعْ مَا أَطْعَمَهُ بِالْمَوْتِ، ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ، فَمَا هُوَ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ جَوَابُنَا عَنْ الْحَجِّ.

وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ سَفَرَ الْحَجِّ لَا يَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الْآمِرِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَوَّلَ لَوْ بَدَا لَهُ فِي الطَّرِيقِ أَنْ لَا يَحُجَّ بِنَفْسِهِ بَعْدَمَا مَشَى بَعْضَ الطَّرِيقِ وَفَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى غَيْرِهِ بِرِضَا الْوَصِيِّ لَمْ يَجُزْ وَلَزِمَهُ رَدُّ مَا أَنْفَقَهُ، وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّجَزِّي حَتَّى إنَّ الْمَأْمُورَ بِالْإِطْعَامِ إذَا أَطْعَمَ الْبَعْضَ ثُمَّ تَرَكَ الْبَعْضَ وَأَمَرَ بِهِ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ، كَذَا فِي الْأَسْرَارِ، وَهَذَا لَيْسَ بِدَافِعٍ لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْمُتَجَزِّئِ وَغَيْرِهِ فِي الِانْقِطَاعِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: التَّجَزِّي فِي الْإِطْعَامِ مُسْتَنِدٌ إلَى الْكِتَابِ فَإِنَّهُ أَقْوَى وَإِنْ كَانَ دَلَالَةً فَعُمِلَ بِهِ، وَالْحَجُّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْ الْحَدِيثِ فَعُمِلَ بِهِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ.

أَقُولُ: السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا بِقَوْلِهِ وَرُدَّ وَأُجِيبَ مَذْكُورَانِ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَتَصَرُّفُ هَذَا الشَّارِحِ نَفْسُهُ إنَّمَا هُوَ فِي قَوْلِهِ وَهَذَا لَيْسَ بِدَافِعٍ إلَخْ سَاقِطٌ، إذْ لَيْسَ مَدَارُ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّ الْمُتَجَزِّئَ لَا يَنْقَطِعُ وَغَيْرَ الْمُتَجَزِّئِ يَنْقَطِعُ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْمُتَجَزِّئِ وَغَيْرِهِ، بَلْ مَدَارُهُ عَلَى أَنَّ الِانْقِطَاعَ لَا يَضُرُّ فِي الْمُتَجَزِّئِ وَإِنَّمَا يَضُرُّ فِي غَيْرِ الْمُتَجَزِّئِ، فَإِنَّ كُلَّ عَمَلٍ غَيْرِ مُتَجَزٍّ إذَا انْقَطَعَ قَبْلَ التَّمَامِ يَبْطُلُ مِنْ الْأَصْلِ بِالضَّرُورَةِ وَيَلْحَقُ بِالْعَدَمِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَالْحَجُّ غَيْرُ مُتَجَزٍّ؛ فَإِذَا انْقَطَعَ بِمَوْتِ الْحَاجِّ فِي الطَّرِيقِ وَجَبَ أَنْ يَحُجَّ مِنْ بَلَدِ الْمُوصِي أَدَاءً لِلْوَاجِبِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْعَمَلِ الْمُتَجَزِّئِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ انْقِطَاعِهِ قَبْلَ تَمَامِهِ أَنْ يَبْطُلَ مِنْ الْأَصْلِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُتَمِّمَ الْآخَرَ مَا بَقِيَ مِنْهُ، كَمَا إذَا أَطْعَمَ الْمَأْمُورُ بِالْإِطْعَامِ بَعْضَ الْمَسَاكِينِ ثُمَّ تَرَكَ الْبَعْضَ وَأَمَرَ بِهِ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَسْرَارِ. وَعَلَى هَذَا كَانَ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ دَافِعًا لِلسُّؤَالِ قَطْعًا، وَلِعَدَمِ فَرْقِ الشَّارِحِ الْمَزْبُورِ بَيْنَ الْمَدَارَيْنِ قَالَ فِي تَقْرِيرِ السُّؤَالِ: وَلَمْ يَنْقَطِعْ مَا أَطْعَمَهُ بِالْمَوْتِ وَالْوَاقِعُ فِي النِّهَايَةِ بَدَلُ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْطُلْ هُنَاكَ مَا أَطْعَمَهُ بِالْمَوْتِ، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بَدَلُهُ، وَلَمْ يَجِبْ الِاسْتِئْنَافُ هُنَاكَ بَلْ وَجَبَ الْإِكْمَالُ بِمَا بَقِيَ بِالِاتِّفَاقِ. ثُمَّ إنَّ مَدَارَ التَّوْجِيهِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ التَّجَزِّي فِي الْإِطْعَامِ مُسْتَنَدٌ إلَى الْكِتَابِ إلَخْ، عَلَى أَنَّ التَّجَزِّيَ يُنَافِي الِانْقِطَاعَ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَالْكِتَابِ الدَّالِ عَلَى تَجَزِّي الْإِطْعَامِ تَعَارُضٌ أَصْلًا حَتَّى يَتْرُكَ الْعَمَلَ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي حَقِّ الْإِطْعَامِ وَيَعْمَلَ بِالْكِتَابِ فِيهِ لِقُوَّتِهِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ التَّجَزِّيَ لَا يُنَافِي الِانْقِطَاعَ بَلْ يَتَحَقَّقُ الِانْقِطَاعُ فِي الْمُتَجَزِّئِ وَغَيْرِهِ، إلَّا أَنَّ الْإِكْمَالَ بِمَا بَقِيَ مُتَصَوَّرٌ فِي الْمُتَجَزِّئِ دُونَ غَيْرِهِ فَلَا يَقْتَضِي الْعَمَلُ بِالْكِتَابِ فِي حَقِّ الْإِطْعَامِ تَرْكَ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي حَقِّ ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى، فَمَا ارْتَكَبَهُ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ هُنَا مِنْ ضِيقِ الْعَطَنِ كَمَا تَرَى.

(بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ)

أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَمَّا تَقَدَّمَهُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحْكَامَ الْوَصِيَّةِ لِقَوْمٍ مَخْصُوصِينَ، وَذَكَرَ فِيمَا تَقَدَّمَهُ أَحْكَامَ الْوَصَايَا عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ، وَالْخُصُوصُ أَبَدًا يَتْلُو الْعُمُومَ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ فَهُمْ الْمُلَاصِقُونَ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>