للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ فِي الْمُهَايَأَةِ

الْمُهَايَأَةُ جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، إذْ قَدْ يَتَعَذَّرُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى الِانْتِفَاعِ فَأَشْبَهَ الْقِسْمَةَ. وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهِ

لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ، وَذَلِكَ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ تَامَّةً فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ انْتَهَى أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ، لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ تَامَّةً مِنْ حَيْثُ أَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ فَقَدْ كَانَتْ تَامَّةً مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ رَضِيَ بِهَا أَوَّلًا فَلَزِمَ السَّعْيُ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَمَدَارُ السُّؤَالِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ السَّعْيَ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَى قَاعِدَةِ الشَّرْعِ كَمَا عُرِفَ فِي نَظَائِرِهِ. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ اسْتِمَاعَ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ تَبَيُّنِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لَا عَلَى الْعَكْسِ، وَهَذِهِ الدَّعْوَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِاسْتِلْزَامِهَا السَّعْيَ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ فَكَيْفَ تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِمَنْعِ اسْتِلْزَامِهَا ذَلِكَ الْجَوَازَ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ آخَرُ أَوْ يُؤَدِّيَهُ سَائِرُ الْوَرَثَةِ مِنْ مَالِهِمْ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى كَلَامُهُ أَقُولُ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَوْنَ اسْتِمَاعِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ تَبَيُّنِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لَا عَلَى الْعَكْسِ غَيْرُ مُفِيدٍ هَاهُنَا، فَإِنَّ الْمُجِيبَ لَا يَقُولُ: إنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ ثُمَّ تَبَيَّنَ صِحَّتَهَا بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بَلْ يَقُولُ: إنَّهَا صَحِيحَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَقَرُّرِ تَمَامِ الْقِسْمَةِ، بَلْ احْتِمَالُ ثُبُوتِ الدَّيْنِ بِالْبَيِّنَةِ، فَمَآلُ جَوَابِه مَنْعُ اسْتِلْزَامِهَا ذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ، فَالْقَاطِعُ لِعِرْقِ ذَلِكَ الْجَوَابِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ لُزُومَ السَّعْيِ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ لَا مَرَدَّ لَهُ بِثُبُوتِ الدَّيْنِ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَلْزَمُ تَمَامُ الْقِسْمَةِ مِنْ حَيْثُ أَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَذَلِكَ لَا يَدْفَعُ السُّؤَالَ الْمَزْبُورَ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَ ذَلِكَ الْبَعْضِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِمَنْعِ اسْتِلْزَامِهَا ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ آخَرُ أَوْ يُؤَدِّيَهُ سَائِرُ الْوَرَثَةِ مِنْ مَالِهِمْ، فَمِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَفَوَّهَ بِهِ الْعَاقِلُ فَضْلًا عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ الْقَائِلِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ آخَرُ وَلَمْ يُؤَدِّهِ سَائِرُ الْوَرَثَةِ إذْ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مَا يَفِي بِالدَّيْنِ أَوْ أَدَّاهُ الْوَرَثَةُ مِنْ مَالِهِمْ قَدْ مَرَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مُفَصَّلًا،

(فَصْلٌ فِي الْمُهَايَأَةِ)

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ قِسْمَةِ الْأَعْيَانِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ قِسْمَةِ الْأَعْرَاضِ الَّتِي هِيَ الْمَنَافِعُ، وَأَخَّرَهَا عَنْ قِسْمَةِ الْأَعْيَانِ لِكَوْنِ الْأَعْيَانِ أَصْلًا وَالْمَنَافِعِ فَرْعًا عَلَيْهَا.

ثُمَّ إنَّ الْمُهَايَأَةَ فِي اللُّغَةِ: مُفَاعَلَةٌ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْهَيْئَةِ وَهِيَ الْحَالَةُ الظَّاهِرَةُ لِلْمُتَهَيِّئِ لِلشَّيْءِ، وَإِبْدَالُ الْهَمْزَةِ أَلِفًا لُغَةٌ فِيهَا، وَالتَّهَايُؤُ تَفَاعُلٌ مِنْهَا وَهُوَ أَنْ يَتَوَاضَعُوا عَلَى أَمْرٍ فَيَتَرَاضَوْا بِهِ، وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَرْضَى بِحَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَخْتَارُهَا. يُقَالُ هَايَأَ فُلَانٌ فُلَانًا وَتَهَايَأَ الْقَوْمُ. وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ (قَوْلُهُ الْمُهَايَأَةُ جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ) قَالَ الشُّرَّاحُ: وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَهَا، لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا، إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>