جَبْرُ الْقَاضِي كَمَا يَجْرِي فِي الْقِسْمَةِ، إلَّا أَنَّ الْقِسْمَةَ أَقْوَى مِنْهُ فِي اسْتِكْمَالِ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهُ جَمْعُ الْمَنَافِعِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، وَالتَّهَايُؤُ جَمْعٌ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَلِهَذَا لَوْ طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْقِسْمَةَ وَالْآخَرُ الْمُهَايَأَةَ يَقْسِمُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّكْمِيلِ. وَلَوْ وَقَعَتْ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ثُمَّ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ يَقْسِمُ وَتَبْطُلُ الْمُهَايَأَةُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ، وَلَا يَبْطُلُ التَّهَايُؤُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ انْتَقَضَ لَاسْتَأْنَفَهُ الْحَاكِمُ فَلَا فَائِدَةَ فِي النَّقْضِ ثُمَّ الِاسْتِئْنَافِ (وَلَوْ تَهَايَأَ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ هَذَا طَائِفَةٌ وَهَذَا طَائِفَةٌ أَوْ هَذَا عُلُوَّهَا وَهَذَا سُفْلَهَا جَازَ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزَةٌ فَكَذَا الْمُهَايَأَةُ، وَالتَّهَايُؤُ فِي هَذَا الْوَجْهِ إفْرَازٌ لِجَمِيعِ الْأَنْصِبَاءِ لَا مُبَادَلَةٌ وَلِهَذِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْقِيتُ (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَسْتَغِلَّ مَا أَصَابَهُ
الشَّرِيكَيْنِ يَنْتَفِعُ فِي نَوْبَتِهِ بِمِلْكِ شَرِيكِهِ عِوَضًا عَنْ انْتِفَاعِ شَرِيكِهِ بِمِلْكِهِ فِي نَوْبَتِهِ اهـ أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ مَا ذَكَرُوا فِي وَجْهِ إبَاءِ الْقِيَاسِ جَوَازَهَا إنَّمَا يَتِمُّ فِي صُورَةِ التَّهَايُؤِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِ بِأَنْ يَنْتَفِعَ أَحَدُهُمَا بِعَيْنٍ وَاحِدٍ مُدَّةً وَيَنْتَفِعَ الْآخَرُ بِهِ مُدَّةً أُخْرَى، لَا فِي صُورَةِ التَّهَايُؤِ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانِ كَمَا إذَا تَهَايَأَ فِي دَارٍ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ أَحَدُهُمَا نَاحِيَةً وَالْآخَرُ نَاحِيَةً أُخْرَى مِنْهَا، فَإِنَّ التَّهَايُؤَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إفْرَازٌ لِجَمِيعِ الْأَنْصِبَاءِ لَا مُبَادَلَةٌ، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْقِيتُ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ عَنْ قَرِيبٍ.
وَالظَّاهِرُ مِنْ تَقْرِيرَاتِهِمْ كَوْنُ جَوَازِ التَّهَايُؤِ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَمْرًا اسْتِحْسَانِيًّا مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ، وَمَا ذَكَرُوا فِي بَيَانِهِ لَا يَفِي بِذَلِكَ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الْقِسْمَةَ أَقْوَى مِنْهُ فِي اسْتِكْمَالِ الْمَنْفَعَةِ، لِأَنَّهُ جَمْعُ الْمَنَافِعِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ وَالتَّهَايُؤُ جَمْعٌ عَلَى التَّعَاقُبِ) أَقُولُ: فِي كُلِّيَّةِ هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ، إذْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ التَّهَايُؤَ قَدْ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانِ، وَسَيَأْتِي فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ أَيْضًا، وَالْجَمْعُ عَلَى التَّعَاقُبِ إنَّمَا هُوَ فِي التَّهَايُؤِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِ، وَأَمَّا فِي التَّهَايُؤِ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانِ فَيَتَحَقَّقُ جَمْعُ الْمَنَافِعِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ كَمَا سَنُحَقِّقُهُ. نَعَمْ إنَّ الْقِسْمَةَ فِي الْأَعْيَانِ أَقْوَى بِلَا رَيْبٍ مِنْ مُطْلَقِ التَّهَايُؤِ الَّذِي هُوَ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ لِحُصُولِ التَّمَلُّكِ فِي الْأُولَى مِنْ حَيْثُ الذَّاتِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَفِي الثَّانِي مِنْ حَيْثُ الْمَنْفَعَةِ فَحَسْبَ (قَوْلُهُ وَالتَّهَايُؤُ فِي هَذَا الْوَجْهِ إفْرَازٌ لِجَمِيعِ الْأَنْصِبَاءِ لَا مُبَادَلَةٌ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute