للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلُ الْجَوَارِحِ

قَالَ (وَيَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَالْفَهْدِ وَالْبَازِي وَسَائِرُ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَّمْته مِنْ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ فَلَا بَأْسَ بِصَيْدِهِ، وَلَا خَيْرَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ تُدْرِكَ ذَكَاتَهُ)

(فَصْلٌ فِي الْجَوَارِحِ)

قَدَّمَ فَصْلَ الْجَوَارِحِ عَلَى فَصْلِ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّ آلَةَ الصَّيْدِ هُنَا حَيَوَانٌ وَفِي الرَّمْيِ جَمَادٌ، وَلِلْحَيَوَانِ فَضْلٌ عَلَى الْجَمَادِ، وَالْفَاضِلُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَفْضُولِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ (قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَّمْته مِنْ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ فَلَا بَأْسَ بِصَيْدِهِ، وَلَا خَيْرَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ تُدْرِكَ ذَكَاتَهُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: إنَّمَا أَوْرَدَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِقَوْلِهِ: وَلَا خَيْرَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ: أَيْ فِيمَا سِوَى الْمُعَلَّمَةِ مِنْ ذِي النَّابِ وَالْمِخْلَبِ، فَإِنَّ رِوَايَةَ الْقُدُورِيِّ تَدُلُّ عَلَى الْإِثْبَاتِ لَا غَيْرَ، وَرِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَدُلُّ عَلَى الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ جَمِيعًا انْتَهَى

أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ؛ إذْ قَدْ صَرَّحُوا فِي شُرُوحِ هَذَا الْكِتَابِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ فِي الرِّوَايَاتِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ بِالِاتِّفَاقِ، فَرِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ أَيْضًا تَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِ جَوَازِ الِاصْطِيَادِ بِمَا ذَكَرَ، وَنَفْيِ جَوَازِهِ بِمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا يَتِمُّ قَوْلُهُ: إنَّ رِوَايَةَ الْقُدُورِيِّ تَدُلُّ عَلَى الْإِثْبَاتِ لَا غَيْرَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّ رِوَايَةَ الْقُدُورِيِّ تَدُلُّ بِمَنْطُوقِهَا عَلَى الْإِثْبَاتِ لَا غَيْرَ، وَإِنْ دَلَّتْ بِمَفْهُومِهَا عَلَى النَّفْيِ أَيْضًا

وَأَمَّا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَتَدُلُّ بِمَنْطُوقِهَا عَلَى الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ مَعًا لَكِنْ لَا يَظْهَرُ حِينَئِذٍ فِي إيرَادِ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَبِيرُ نَفْعٍ كَمَا لَا يَخْفَى

قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ: إنَّمَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَفْظِ لَا بَأْسَ مَعَ ثُبُوتِ إبَاحَةِ الِاصْطِيَادِ بِالْكِتَابِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ﴾ قَدْ خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ وَهُوَ الْخِنْزِيرُ وَالْأَسَدُ وَالدُّبُّ، وَالنَّصُّ إذَا خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ يَصِيرُ ظَنِّيًّا فَتَتَمَكَّنُ فِيهِ الشُّبْهَةُ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ فَلِذَلِكَ ذَكَرَ بِلَفْظِ لَا بَأْسَ انْتَهَى

أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ مَخْصُوصٌ مِنْ النَّصِّ الْمَذْكُورِ بِالْعَقْلِ؛ لِأَنَّهُ نَجَسُ الْعَيْنِ، وَالْعَقْلُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِالنَّجَسِ، وَقَدْ عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ النَّصَّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَقْلِ لَا يَصِيرُ ظَنِّيًّا بَلْ يَكُونُ قَطْعِيًّا لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ: وَالْخِنْزِيرُ مُسْتَثْنًى؛ لِأَنَّهُ نَجَسُ الْعَيْنِ وَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ

وَأَمَّا الْأَسَدُ وَالدُّبُّ فَلَيْسَا بِدَاخِلَيْنِ رَأْسًا فِي النَّصِّ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْأَسَدَ وَالدُّبَّ لَا يَصْلُحَانِ لِلتَّعْلِيمِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْمَلَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>