وَقَوْلُهُ ﷿ ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾ وَلِقَوْلِهِ ﵊ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ ﵁ «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ شَارَكَ كَلْبَك كَلْبٌ آخَرُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّك إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبِ غَيْرِك» وَعَلَى إبَاحَتِهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ
وَلِأَنَّهُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ وَانْتِفَاعٍ بِمَا هُوَ مَخْلُوقٌ لِذَلِكَ، وَفِيهِ اسْتِبْقَاءُ الْمُكَلَّفِ وَتَمْكِينُهُ مِنْ إقَامَةِ التَّكَالِيفِ فَكَانَ مُبَاحًا بِمَنْزِلَةِ الِاحْتِطَابِ
ثُمَّ جُمْلَةُ مَا يَحْوِيهِ الْكِتَابُ فَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا فِي الصَّيْدِ بِالْجَوَارِحِ وَالثَّانِي فِي الِاصْطِيَادِ بِالرَّمْيِ.
حِلِّ الصَّيْدِ الْمَحْضِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْهُ الصَّيَّادُ حَيًّا بَلْ مَاتَ بِجُرْحِ آلَةِ الصَّيْدِ كَالْكَلْبِ وَالْبَازِي وَالرَّمْي وَصَارَ مَذْبُوحًا بِالذَّبْحِ الِاضْطِرَارِيِّ، وَمَا أَدْرَكَهُ حَيًّا فَذَبَحَهُ لَا يَكُونُ صَيْدًا مَحْضًا بَلْ يَصِيرُ مُلْحَقًا بِسَائِرِ مَا يَذْبَحُ الِاخْتِيَارِيَّ فَيَكُونُ خَارِجًا عَنْ مَحَلِّ الِاشْتِرَاطِ
وَطَعَنَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فِيهِ تَسَامُحٌ
؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطُ الِاصْطِيَادِ لِلْأَكْلِ بِالْكَلْبِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ تَسَامُحٌ بَلْ شَرْطُ حِلِّ الصَّيْدِ، أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِالِاصْطِيَادِ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطُ الِاصْطِيَادِ لِلْأَكْلِ هُوَ الِاصْطِيَادُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ مَا كَانَ حَلَالًا، فَيَئُولُ مَعْنَى قَوْلِ شَرْطِ الِاصْطِيَادِ إلَى شَرْطِ حِلِّ الصَّيْدِ، فَإِنْ عَدَّ هَذَا تَسَامُحًا فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّسَامُحِ فِي التَّعْبِيرِ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ الْمُرَادِ، وَلَا يُبَالَى بِمِثْلِهِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مِنْ التَّسَامُحِ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ، فَإِنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْمَعْنَى تَدَبَّرْ تَفْهَمْ
ثُمَّ قَصَدَ ذَلِكَ الْبَعْضُ دَفْعَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي عِلَاوَتِهِ حَيْثُ قَالَ: مُرَادُ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ بَيَانُ شَرَائِطِ حِلِّ صَيْدٍ قَتَلَهُ الْكَلْبُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ آلَةٌ غَيْرُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى
أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ مَعَ عَدَمِ مُسَاعَدَتِهِ لِهَذَا التَّقْيِيدِ وَعَدَمِ قِيَامِ قَرِينَةٍ عَلَيْهِ لَا يَدْفَعُ كَوْنَ مُرَادِهِ هَذَا الْمَعْنَى التَّسَامُحَ الَّذِي حَاصِلُهُ التَّقْصِيرُ فِي الْبَيَانِ، فَإِنَّهُ لَا وَجْهَ لِبَيَانِ شَرَائِطِ حِلِّ نَوْعٍ مَخْصُوصٍ مِنْ أَنْوَاعِ الصَّيْدِ وَتَرْكِ بَيَانِ شَرَائِطِ سَائِرِ أَنْوَاعِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ ﷿ ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾ مَدَّ التَّحْرِيمَ إلَى غَايَةٍ فَاقْتَضَى الْإِبَاحَةَ فِيمَا وَرَاءَ تِلْكَ الْغَايَةِ، كَذَا قَالُوا
وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِمَفْهُومِ الْغَايَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ اهـ
أَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَفْهُومَ الْغَايَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، بَلْ هُوَ حُجَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي التَّلْوِيحِ فِي بَابِ الْمُعَارَضَةِ وَالتَّرْجِيحِ بِصَدَدِ بَيَانِ الْمُخَلِّصِ لِدَفْعِ التَّعَارُضِ بَيْنَ قِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ وَقِرَاءَةِ التَّخْفِيفِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾