للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾

يَعْنِي أَنَّ الصَّيْدَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الِاصْطِيَادِ وَهُوَ أَخْذُ الصَّيْدِ، كَالِاحْتِطَابِ وَهُوَ أَخْذُ الْحَطَبِ، ثُمَّ يُرَادُ بِهِ مَا يُصَادُ مَجَازًا إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ وَهُوَ الْمُمْتَنِعُ الْمُتَوَحِّشُ عَنْ الْآدَمِيِّ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ مَأْكُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ

وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَإِنَّمَا يَحِلُّ الصَّيْدُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ شَرْطًا

خَمْسَةٌ فِي الصَّيَّادِ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ، وَأَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الْإِرْسَالُ، وَأَنْ لَا يُشَارِكَهُ فِي الْإِرْسَالِ مَنْ لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ؛ وَأَنْ لَا يَتْرُكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا، وَأَنْ لَا يَشْتَغِلَ بَيْنَ الْإِرْسَالِ وَالْأَخْذِ بِعَمَلٍ

وَخَمْسَةٌ فِي الْكَلْبِ: مِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا، وَأَنْ يَذْهَبَ عَلَى سَنَنِ الْإِرْسَالِ، وَأَنْ لَا يُشَارِكَهُ فِي الْأَخْذِ مَا لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ، وَأَنْ يَقْتُلَهُ جُرْحًا، وَأَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ

وَخَمْسَةٌ فِي الصَّيْدِ: مِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ مُتَقَوِّيًا بِأَنْيَابِهِ أَوْ مِخْلَبِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ الْحَشَرَاتِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ بَنَاتِ الْمَاءِ سِوَى السَّمَكِ، وَأَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ بِجَنَاحَيْهِ أَوْ قَوَائِمِهِ، وَأَنْ يَمُوتَ بِهَذَا قَبْلَ أَنْ يُوصَلَ إلَى ذَبْحِهِ انْتَهَى، وَذُكِرَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ فِي النِّهَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ أَيْضًا نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ

وَذَكَرَهَا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا، وَقَالَ: كَذَا فِي النِّهَايَةِ مَنْسُوبًا إلَى الْخُلَاصَةِ

وَقَدَحَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَاتِيكَ الشُّرُوطِ حَيْثُ قَالَ: قَوْلُهُ: وَأَنْ يَمُوتَ بِهَذَا قَبْلَ أَنْ يُوصَلَ إلَى ذَبْحِهِ مُسْتَدْرَكٌ بَعْدَ قَوْلِهِ وَأَنْ يَقْتُلَهُ جُرْحًا انْتَهَى

أَقُولُ: لَا اسْتِدْرَاكَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي أُرِيدَ بِقَوْلِهِ وَأَنْ يَقْتُلَهُ جُرْحًا لَيْسَ مُجَرَّدَ قَتْلِهِ بَلْ قَتْلُهُ جُرْحًا، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ قَتْلِهِ خَنْقًا، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ حِينَئِذٍ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ، وَكَذَا الشَّرْطُ الَّذِي أُرِيدَ بِقَوْلِهِ: وَأَنْ يَمُوتَ بِهَذَا قَبْلَ أَنْ يُوصَلَ إلَى ذَبْحِهِ لَيْسَ مُجَرَّدَ مَوْتِهِ بَلْ مَوْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُوصَلَ إلَى ذَبْحِهِ؛ إذْ لَوْ مَاتَ بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَصِلَ الْمُرْسِلُ إلَى ذَبْحِهِ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ إنْ لَمْ يَذْبَحْهُ الْمُرْسِلُ كَمَا سَتَعْرِفُهُ أَيْضًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ اشْتِرَاطَ أَنْ يَقْتُلَهُ الْكَلْبُ جُرْحًا لَا يُغْنِي عَنْ اشْتِرَاطِ أَنْ يَمُوتَ الصَّيْدُ بِجُرْحِ الْكَلْبِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْمُرْسِلُ إلَى ذَبْحِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَقْتُلَهُ الْكَلْبُ جُرْحًا بَعْدَ أَنْ يَصِلَ الْمُرْسِلُ إلَى ذَبْحِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الشَّرْطِ الْآخَرِ أَيْضًا عَلَى الِاسْتِقْلَالِ

وَطَعَنَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي جُمْلَةِ مَا نَقَلَ عَنْ الْخُلَاصَةِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطُ الِاصْطِيَادِ لِلْأَكْلِ بِالْكَلْبِ لَا غَيْرَ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ انْتَفَى بَعْضُهُ لَمْ يَحْرُمْ كَمَا لَوْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ لَكِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا فَذَبَحَهُ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَمُتْ بِهَذَا لَكِنَّهُ ذَبَحَهُ فَإِنَّهُ صَيْدٌ، وَهُوَ حَلَالٌ انْتَهَى

أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يَعْتَذِرَ عَمَّا ذَكَرَهُ فِي عِلَاوَتِهِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي شَرَائِطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>