قَالَ (وَلَوْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ ثُمَّ ظَهَرَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ مُحِيطٌ رُدَّتْ الْقِسْمَةُ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ، وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُحِيطٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِالتَّرِكَةِ، إلَّا إذَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ مَا يَفِي بِالدَّيْنِ وَرَاءَ مَا قَسَمَ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِ الْقِسْمَةِ فِي إيفَاءِ حَقِّهِمْ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْغُرَمَاءُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَوْ أَدَّاهُ الْوَرَثَةُ مِنْ مَالِهِمْ وَالدَّيْنُ مُحِيطٌ أَوْ غَيْرُ مُحِيطٍ جَازَتْ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ زَالَ. وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ صَحَّ دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ، إذْ الدَّيْنُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْنَى وَالْقِسْمَةُ تُصَادِفُ الصُّورَةَ، وَلَوْ ادَّعَى عَيْنًا بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ لَمْ يُسْمَعْ لِلتَّنَاقُضِ، إذْ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقِسْمَةِ اعْتِرَافٌ بِكَوْنِ الْمَقْسُومِ مُشْتَرَكًا.
إذَا قَسَمَ عِنْدَ غَيْبَةِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ لَا تُنْقَضُ قِسْمَتُهُ، لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ، وَقَضَاءُ الْقَاضِي إذَا صَادَفَ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ يَنْفُذُ وَلَا يُنْقَضُ. ثُمَّ قَالَ: وَمِنْهَا ظُهُورُ الْوَارِثِ، حَتَّى لَوْ اقْتَسَمُوا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ ثَمَّةَ وَارِثًا آخَرَ نُقِضَتْ قِسْمَتُهُمْ، وَلَوْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا تُنْقَضُ لِمَا ذَكَرْنَا، إلَى هُنَا لَفْظُهُ، ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ أَوْرَدَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ الْقِيمَةَ فِيهَا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّرَاضِي حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَيْضًا بَلْ اعْتِبَارُهَا فِيهِ آكَدُ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ تُفْسَخُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الدَّرْسِ السَّابِقِ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِالْقِيمَةِ لَا تَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَصْلًا إلَّا عَنْ تَرَاضٍ، وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ بِصَدَدِ بَيَانِ وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ ظَاهِرٌ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْكِتَابِ، فَاعْتِبَارُ الْقِيمَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ كَمَا يَقْتَضِيه تَصْوِيرُهَا الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ حَتَّى فِي كُتُبِ مُحَمَّدٍ ﵀ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَضْعَهَا فِيمَا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ لَا فِيمَا إذَا كَانَتْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي؛ فَقَوْلُهُ فَإِنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَيْضًا إنْ أَرَادَ أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي صُورَةِ الْقَضَاءِ أَيْضًا فَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فِي صُورَةِ الْقَضَاءِ أَيْضًا عِنْدَ غَيْرِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يُجْدِي شَيْئًا، فَإِنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَافٍ فِي تَمَامِ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةُ. وَقَوْلُهُ بَلْ اعْتِبَارُهَا فِيهَا آكَدُ فِي عَدَمِ الْإِصَابَةِ، لِأَنَّ تَحَقُّقَ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ لَا يَنْحَصِرُ فِي أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْآخَرِ، بَلْ قَدْ يَتَحَقَّقُ الْغَبْنُ بِكَوْنِ عَيْنِ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ عَيْنِ الْآخَرِ مِنْ جِهَةِ الْوَزْنِ أَوْ الْكَيْلِ أَوْ الذَّرْعِ أَوْ الْعَدَدِ مِمَّا يَلِيقُ بِجِنْسِ الْمَقْسُومِ؛ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَعْتَبِرُ فِي غَبْنِ الْقِسْمَةِ بِالْقَضَاءِ التَّفَاوُتَ فِي الْعَيْنِ بِإِحْدَى الْجِهَاتِ الْمَذْكُورَةِ دُونَ التَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ، وَمَا مَرَّ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ مِنْ مَسْأَلَةِ فَسْخِ الْقِيمَةِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْغَبْنِ مِنْ جِهَةِ الْقِيمَةِ أَلْبَتَّةَ، بَلْ قَدْ ذُكِرَ هُنَاكَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ لِلْغَبْنِ مِثَالٌ هُوَ صَرِيحٌ فِي التَّفَاوُتِ فِي الْعَيْنِ بِأَنْ يُقَالَ وَإِنْ اقْتَسَمَا مِائَةَ شَاةٍ فَأَصَابَ أَحَدَهُمَا خَمْسٌ وَخَمْسُونَ شَاةً وَأَصَابَ الْآخَرَ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ شَاةً فَادَّعَى صَاحِبُ الْأَكْثَرِ الْغَبْنَ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ صَحَّ دَعْوَاهُ، لِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ، إذْ الدَّيْنُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْنَى وَالْقِسْمَةُ تُصَادِفُ الصُّورَةَ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ لَمْ تَكُنْ دَعْوَاهُ بَاطِلَةً لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ فَلْتَكُنْ بَاطِلَةً بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا إذَا صَحَّتْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute