وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِهَذَا الْجِوَارِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا صَرَفَهُ إلَى الْجَمِيعِ يُصْرَفُ إلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ الْمُلَاصِقُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ يُسَمُّونَ جِيرَانًا عُرْفًا، وَقَدْ تَأَيَّدَ بِقَوْلِهِ ﷺ «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» وَفَسَّرَهُ بِكُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، وَلِأَنَّ الْمَقْصِدَ بِرُّ الْجِيرَانِ وَاسْتِحْبَابُهُ يَنْتَظِمُ الْمُلَاصِقَ وَغَيْرَهُ، إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاخْتِلَاطِ وَذَلِكَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَسْجِدِ، وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ ﵀: الْجِوَارُ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا بَعِيدٌ، وَمَا يُرْوَى فِيهِ ضَعِيفٌ. قَالُوا: وَيَسْتَوِي فِيهِ السَّاكِنُ وَالْمَالِكُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْمُسْلِمُ الذِّمِّيُّ لِأَنَّ اسْمَ الْجَارِ يَتَنَاوَلُهُمْ
كَانَ حَقُّ الْكَلَامِ أَنْ يُقَدِّرَ وَصِيَّةَ الْأَقَارِبِ نَظَرًا إلَى تَرْجَمَةِ الْبَابِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الْوَاوُ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَأَنْ يُقَالَ: فَعَلَ ذَلِكَ اهْتِمَامًا بِأَمْرِ الْجَارِ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تَوْجِيهِهِ كَاسِدٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْوَاوَ إنَّمَا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ الْخَارِجِيِّ: أَيْ لَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ مَدْخُولِهِ فِي الْخَارِجِ بَعْدَ وُقُوعِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِيهِ، وَأَمَّا مَا تَأَخَّرَ مَدْخُولُهُ فِي الذِّكْرِ عَنْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَأَمْرٌ ضَرُورِيٌّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَدَارَ قَوْلِهِ كَانَ حَقُّ الْكَلَامِ أَنْ يُقَدِّمَ وَصِيَّةَ الْأَقَارِبِ نَظَرًا إلَى تَرْجَمَةِ الْبَابِ عَلَى الثَّانِي: يَعْنِي لَمَّا قَدَّمَ ذِكْرَ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ فِي تَرْجَمَةِ الْبَابِ كَانَ حَقُّ الْكَلَامِ أَنْ يُقَدِّمَ ذَلِكَ فِي بَسْطِ الْمَسَائِلِ أَيْضًا لِيَحْصُلَ التَّنَاسُبُ بَيْنَ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ، وَعَدَمُ دَلَالَةِ الْوَاوِ عَلَى التَّرْتِيبِ فِي الْوُقُوعِ الْخَارِجِيِّ لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ بِلَا رَيْبٍ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الِاهْتِمَامَ بِأَمْرِ الْجَارِ لَوْ كَانَ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحْسَنًا لَفَعَلَ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ الْبَابِ بِأَنْ قَالَ بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْجِيرَانِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْهُ هُنَاكَ عُلِمَ أَنَّ اهْتِمَامَهُ كَانَ بِأَمْرِ الْأَقَارِبِ، فَكَانَ حَقُّ الْكَلَامِ هُنَا أَنْ يُسَاقَ عَلَى مِنْوَالِهِ رِعَايَةً لِلتَّنَاسُبِ.
(قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ صَرْفُهُ إلَى الْجَمِيعِ يُصْرَفُ إلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ الْمُلَاصِقُ إلَخْ) أَوْضَحَهُ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ صَرْفُهُ إلَى الْجَمِيعِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ جَارُ الْمَحَلَّةِ وَجَارُ الْأَرْضِ وَجَارُ الْقَرْيَةِ صُرِفَ إلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ الْمُلَاصِقُ اهـ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَمَّا تَعَذَّرَ صَرْفُهُ إلَى الْجَمِيعِ: يَعْنِي لِعَدَمِ دُخُولِ جَارِ الْمَحَلَّةِ وَجَارِ الْقَرْيَةِ وَجَارِ الْأَرْضِ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: عَدَمُ دُخُولِ جَارِ الْمَحَلَّةِ وَجَارِ الْقَرْيَةِ وَجَارِ الْأَرْضِ فِي الْوَصِيَّةِ لِجِيرَانِ الْمُوصِي لِعَدَمِ انْطِلَاقِ لَفْظِ الْجِيرَانِ الْمُضَافِ إلَى الْمُوصِي نَفْسِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَا حَقِيقَةً وَلَا عُرْفًا بِخِلَافِ مَنْ يَسْكُنُ مَحَلَّةَ الْمُوصِي وَيَجْمَعُهُمْ مَسْجِدُ مَحَلَّتِهِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ يُسَمُّونَ جِيرَانَ الْمُوصِي عُرْفًا كَمَا سَيَأْتِي فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَذُّرِ صَرْفِهِ إلَى الْجَمِيعِ تَعَذُّرُ صَرْفِهِ إلَى أَهْلِ مَسْجِدِ مَحَلَّتِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامَانِ حَتَّى يَتَعَيَّنَ صَرْفُهُ إلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْمَقْصِدَ بِرُّ الْجِيرَانِ فَاسْتِحْبَابُهُ يَنْتَظِمُ الْمُلَاصِقَ وَغَيْرَهُ) أَقُولُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ إنَّ مَقْصُودَ الْمُوصِي مِنْ إيصَائِهِ لِجِيرَانِهِ بِرُّ الْجِيرَانِ لَكِنَّ الْجِيرَانَ هُمْ الْمُلَاصِقُونَ لَا غَيْرُ لِأَنَّ الْجَارَ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ وَهِيَ الْمُلَاصَقَةُ فَكَيْفَ يَنْتَظِمُ الْمُلَاصِقَ وَغَيْرَهُ، وَإِنْ صُيِّرَ إلَى كَوْنِ غَيْرِ الْمُلَاصِقِ أَيْضًا مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ جِيرَانًا عُرْفًا يَلْزَمُ الْمَصِيرُ إلَى الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ، فَلَا يَكُونُ لِجَعْلِ هَذَا التَّعْلِيلِ دَلِيلًا ثَانِيًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّحْرِيرِ وَجْهٌ كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ قَالُوا وَيَسْتَوِي فِيهِ السَّاكِنُ وَالْمَالِكُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ لِأَنَّ اسْمَ الْجَارِ يَتَنَاوَلُهُمْ) أَقُولُ: التَّعْمِيمُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ وَيَسْتَوِي فِيهِ السَّاكِنُ وَالْمَالِكُ يُنَافِي تَقْيِيدَ الْمُصَنِّفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute