للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ السَّاكِنُ عِنْدَهُ لِإِطْلَاقِهِ، وَلَا يَدْخُلُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ وَصِيَّةٌ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ غَيْرُ سَاكِنٍ. .

قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِأَصْهَارِهِ فَالْوَصِيَّةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ أَعْتَقَ كُلَّ مَنْ مَلَكَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا إكْرَامًا لَهَا» وَكَانُوا يُسَمُّونَ أَصْهَارَ النَّبِيِّ . وَهَذَا التَّفْسِيرُ اخْتِيَارُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ، وَكَذَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَزَوْجَةِ ابْنِهِ وَزَوْجَةِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِأَنَّ الْكُلَّ أَصْهَارٌ. وَلَوْ مَاتَ الْمُوصِي وَالْمَرْأَةُ فِي نِكَاحِهِ

فِيمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ مِمَّنْ يَسْكُنُ مَحَلَّةَ الْمُوصِي، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا نَقَلَهُ هَاهُنَا عَنْ الْمَشَايِخِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، لَكِنَّ أُسْلُوبَ تَحْرِيرِهِ يَأْبَى ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِمَّنْ يَسْكُنُ مَحَلَّةَ الْمُوصِي إلَخْ اشْتِرَاكُ السُّكْنَى فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ الْوَصِيَّةَ عِنْدَهُمَا مُلَّاكًا أَوْ غَيْرَهُمْ. وَمِمَّا نَقَلَهُ عَنْ الْمَشَايِخِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ السُّكْنَى عِنْدَهُمَا إنْ كَانُوا مُلَّاكًا بِدَلِيلِ تَخْصِيصِ خِلَافِهِمَا بِالْعَبْدِ السَّاكِنِ فَتَأَمَّلْ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِتَامٍّ لِأَنَّ تَخْصِيصَ خِلَافِهِمَا بِالْعَبْدِ السَّاكِنِ إنَّمَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْخِلَافِ فِي الْحُرِّ السَّاكِنِ، لَا عَلَى عَدَمِ الْخِلَافِ فِي الْحُرِّ الْغَيْرِ السَّاكِنِ إذَا كَانُوا مُلَّاكًا حَتَّى يُفْهَمَ مِنْهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ السُّكْنَى عِنْدَهُمَا إنْ كَانُوا مُلَّاكًا، ثُمَّ إنَّ تَعْلِيلَ قَوْلِهِمَا فِي الْعَبْدِ السَّاكِنِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ وَصِيَّةٌ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ غَيْرُ سَاكِنٍ بِمَنْزِلَةِ الصَّرِيحِ فِي اشْتِرَاطِ السُّكْنَى عِنْدَهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِهِمَا الْوَصِيَّةَ وَإِنْ كَانُوا أَحْرَارًا وَمُلَّاكًا فَإِنَّهُ قَالَ وَهُوَ غَيْرُ سَاكِنٍ وَلَمْ يَقُلْ وَهُوَ غَيْرُ مَالِكٍ لِلدَّارِ، فَدَلَّ قَطْعًا عَلَى أَنَّ عَدَمَ دُخُولِ الْعَبْدِ السَّاكِنِ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ سُكْنَى مَوْلَاهُ الَّذِي هُوَ الْمُوصَى لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ بِاشْتِرَاطِ السُّكْنَى عِنْدَهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ الْوَصِيَّةَ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِنْبَاطِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ السُّكْنَى عِنْدَهُمَا إنْ كَانُوا مُلَّاكًا مِنْ الْخِلَافِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا فَعَلَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ وَصِيَّةٌ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ غَيْرُ سَاكِنٍ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَعَلَّهُ أَرَادَ بِدُخُولِهِ كَوْنَ نَفْسِهِ مُوصًى لَهُ وَمُسْتَحِقًّا لِلْوَصِيَّةِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أُعْتِقَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي صَارَ مُسْتَحِقًّا لَهُ، وَلَا يَضُرُّهُ كَوْنُهُ عَبْدًا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، إذْ الْعِبْرَةُ لِوَقْتِ الْمَوْتِ فَالْخِلَافُ بَيْنَهُمَا غَيْرُ حَقِيقِيٍّ، وَأَيْضًا الْوَصِيَّةُ بَدْءًا لِلْعَبْدِ ثُمَّ لِمَوْلَاهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا يَمْلِكُهُ لِمَوْلَاهُ فَسُكْنَاهُ كَافٍ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْوَصِيَّةَ فَتَأَمَّلْ إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: كُلٌّ مِنْ شِقَّيْ كَلَامِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ. أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ إذَا كَانَتْ لِوَقْتِ الْمَوْتِ دُونَ وَقْتِ إيجَابِ الْوَصِيَّةِ كَانَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ بَيْنَهُمَا فِيمَنْ كَانَ عَبْدًا وَقْتَ الْمَوْتِ وَكَانَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ حَقِيقِيًّا لَا مَحَالَةَ. وَأَمَّا الَّذِي كَانَ عَبْدًا وَقْتَ الْإِيجَابِ ثُمَّ أُعْتِقَ قَبْلَ الْمَوْتِ فَصَارَ حُرًّا وَقْتَ الْمَوْتِ فَخَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ قَطْعًا، لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ حُرًّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَهُ الْعِبْرَةُ فِي أَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ عَامَّةً وَهُوَ وَقْتُ مَوْتِ الْمُوصِي صَارَ مِنْ قَبِيلِ سَائِرِ الْأَحْرَارِ بِلَا تَفَاوُتٍ، فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِلَا رَيْبٍ فَكَيْفَ يُحْمَلُ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنْ لَيْسَ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ لِلْعَبْدِ أَنْ يُمَلَّكَ شَيْءٌ لِلْعَبْدِ تَمْلِيكًا مُضَافًا إلَى الْمَوْتِ فَيَمْلِكُهُ الْعَبْدُ ابْتِدَاءً عِنْدَ الْمَوْتِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ مِنْ ذَلِكَ الْعَبْدِ إلَى مَوْلَاهُ ثَانِيًا، بَلْ مَعْنَاهَا تَمْلِيكُ شَيْءٍ لِمَوْلَى الْعَبْدِ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي سَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ لِلْعَبْدِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ أَهْلًا لِلْمِلْكِ لِنَفْسِهِ ابْتِدَاءً وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، فَإِذَنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْعَبْدِ وَصِيَّةً لِمَوْلَاهُ وَكَانَ التَّمْلِيكُ تَمْلِيكًا لِمَوْلَاهُ، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ ذَلِكَ الْبَعْضِ فَسُكْنَاهُ كَافٍ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْوَصِيَّةَ تَأَمَّلْ تَرْشُدْ

الْوَصِيَّةَ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى لِأَصْهَارِهِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>