أَوْ فِي عِدَّتِهِ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَالصِّهْرُ يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ، وَإِنْ كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا لِأَنَّ بَقَاءَ الصِّهْرِيَّةِ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَ الْمَوْتِ.
قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِأَخْتَانِهِ فَالْوَصِيَّةُ لِزَوْجِ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَكَذَا مَحَارِمُ الْأَزْوَاجِ) لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى خَتَنًا. قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ. وَفِي عُرْفِنَا لَا يَتَنَاوَلُ الْأَزْوَاجُ الْمَحَارِمَ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ. لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ.
قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ فَهِيَ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ صَاحِبَاهُ: الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مَنْ يُنْسَبُ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ) وَهُوَ أَوَّلُ أَبٍ أَسْلَمَ أَوْ أَوَّلُ أَبٍ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ عَلَى حَسَبِ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ. وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي أَوْلَادِ أَبِي طَالِبٍ فَإِنَّهُ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ وَلَمْ يُسْلِمْ. لَهُمَا أَنَّ الْقَرِيبَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرَابَةِ فَيَكُونُ اسْمًا لِمَنْ قَامَتْ بِهِ فَيَنْتَظِمُ بِحَقِيقَةِ مَوَاضِعِ الْخِلَافِ. وَلَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَفِي الْمِيرَاثِ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ الْمَذْكُورِ فِيهِ اثْنَانِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَالْمَقْصِدُ مِنْ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ تَلَاقِي مَا فَرَطَ فِي إقَامَةِ وَاجِبِ الصِّلَةِ وَهُوَ يَخْتَصُّ بِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْهُ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ قَرَابَةُ الْوِلَادِ فَإِنَّهُمْ لَا يُسَمُّونَ أَقْرِبَاءَ، وَمَنْ سَمَّى وَالِدَهُ قَرِيبًا كَانَ مِنْهُ عُقُوقًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَرِيبَ فِي عُرْفِ اللِّسَانِ مَنْ يَتَقَرَّبُ إلَى غَيْرِهِ بِوَسِيلَةِ غَيْرِهِ، وَتَقَرُّبُ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ بِنَفْسِهِ
أَيْ لِأَقْرِبَاءِ امْرَأَتِهِ. وَفِي الصِّحَاحِ: الْأَصْهَارُ أَهْلُ بَيْتِ الْمَرْأَةِ اهـ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ وَالِاسْتِشْهَادِ بِمَا فِي الصِّحَاحِ صَاحِبَا الْعِنَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. أَقُولُ: تَفْسِيرُ الْأَصْهَارِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَقْرِبَاءِ امْرَأَتِهِ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ، وَكَذَا يَدْخُلُ فِي كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَزَوْجَةِ ابْنِهِ وَزَوْجَةِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِأَنَّ الْكُلَّ أَصْهَارٌ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ لَيْسَ مِنْ أَقْرِبَاءِ امْرَأَتِهِ مَعَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي الْإِيصَاءِ بِالْأَصْهَارِ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ كُلِّهِمْ أَصْهَارًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. فَالْوَجْهُ أَنْ يُفَسِّرَ الْأَصْهَارَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ أَقْرِبَاءِ امْرَأَتِهِ. وَقَدْ جَاءَ فِي اللُّغَةِ جَعْلُ الْأَصْهَارِ أَعَمَّ مِنْ أَقْرِبَاءِ الْمَرْأَةِ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الْأَصْهَارُ أَهْلُ بَيْتِ الْمَرْأَةِ. عَنْ الْخَلِيلِ قَالَ: وَمِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُ الصِّهْرَ مِنْ الْأَحْمَاءِ وَالْأُخْتَانِ جَمِيعًا اهـ. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: الصِّهْرُ بِالْكَسْرِ الْقَرَابَةُ وَحُرْمَةُ الْخُتُونَةِ جَمْعُهُ أَصْهَارٌ. ثُمَّ قَالَ: وَزَوْجُ بِنْتِ الرَّجُلِ وَزَوْجُ أُخْتِهِ وَالْأُخْتَانِ أَصْهَارٌ أَيْضًا اهـ تَدَبَّرْ
(قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَفِي الْمِيرَاثِ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ الْمَذْكُورِ فِيهِ اثْنَانِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ) أَقُولُ: فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute