للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ قَالُوا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَلَا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلْوَجْهِ الثَّانِي، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَنْدَفِعُ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّ الْعَيْنَ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ حَيْثُ عَرَفَهُ الشُّهُودُ بِوَجْهِهِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَلَمْ تَكُنْ يَدُهُ يَدَ خُصُومَةٍ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَالْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي أَضَرَّ بِنَفْسِهِ حَيْثُ نَسِيَ خَصْمَهُ أَوْ أَضَرَّهُ شُهُودُهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخَمَّسَةُ كِتَابِ الدَّعْوَى وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَقْوَالَ الْخَمْسَةَ.

(وَإِنْ قَالَ: ابْتَعْتُهُ مِنْ الْغَائِبِ فَهُوَ خَصْمٌ)

لَا يَخْفَى.

وَتَوْجِيهُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ شَهَادَةَ الشُّهُودِ لَمَّا كَانَتْ لِأَجْلِ ذِي الْيَدِ نُسِبَ حَالُهُمْ إلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ الْبَارِزُ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ مَا أَحَالَهُ رَاجِعَيْنِ إلَى الشُّهُودِ بِتَأْوِيلِ مَنْ شَهِدَ (وَلَوْ قَالَ) أَيْ الشُّهُودُ: (نَعْرِفُهُ) أَيْ الرَّجُلَ الَّذِي أَوْدَعَهُ (بِوَجْهِهِ وَلَا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ، فَكَذَا الْجَوَابُ) أَيْ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلْوَجْهِ الثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ مَا أَحَالَهُ عَلَى مُعَيَّنٍ إلَخْ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ: أَوْدَعَهُ رَجُلٌ لَا نَعْرِفُهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ بِالْوَجْهِ لَيْسَتْ بِمَعْرِفَةٍ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ «أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: تَعْرِفُ فُلَانًا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: إذًا لَا تَعْرِفُهُ» وَمَنْ حَلَفَ لَا يَعْرِفُ فُلَانًا وَهُوَ يَعْرِفُ وَجْهَهُ وَلَا يَعْرِفُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ لَا يَحْنَثُ، كَذَا فِي الْكَافِي وَالشُّرُوحِ (وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَنْدَفِعُ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَأَثْبَتَ بَيِّنَتَهُ أَنَّ الْعَيْنَ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُدَّعِي (حَيْثُ عَرَفَهُ الشُّهُودُ بِوَجْهِهِ) فَحَصَلَ الْعِلْمُ بِيَقِينٍ أَنَّ الْمُودِعَ غَيْرُ هَذَا الْمُدَّعِي (بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا إذَا قَالَ الشُّهُودُ: أَوْدَعَهُ رَجُلٌ لَا نَعْرِفُهُ أَصْلًا (فَلَمْ تَكُنْ يَدُهُ) أَيْ لَمْ تَكُنْ يَدُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي (يَدَ خُصُومَةٍ) لِعَدَمِ كَوْنِهَا يَدَ مِلْكٍ بَلْ يَدَ حِفْظٍ (وَهُوَ الْمَقْصُودُ) أَيْ لَا تَكُونُ يَدُهُ يَدَ خُصُومَةٍ بَلْ يَدَ حِفْظٍ هُوَ مَقْصُودُهُ.

وَقَدْ أَفَادَتْهُ الشَّهَادَةُ، وَالْحَدِيثُ الْمَارُّ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْمَعْرِفَةِ التَّامَّةِ، وَلَيْسَ عَلَى ذِي الْيَدِ تَعْرِيفُ خَصْمِ الْمُدَّعِي تَعْرِيفًا تَامًّا، إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ وَقَدْ ثَبَتَ (وَالْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي أَضَرَّ بِنَفْسِهِ حَيْثُ نَسِيَ خَصْمَهُ أَوْ أَضَرَّهُ شُهُودُهُ) أَيْ شُهُودُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ ذُو الْيَدِ، وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَلَوْ انْدَفَعَتْ الْخُصُومَةُ لَتَضَرَّرَ بِهِ الْمُدَّعِي، وَوَجْهُهُ أَنَّ الضَّرَرَ اللَّاحِقَ بِالْمُدَّعِي إنَّمَا لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ حَيْثُ نَسِيَ خَصْمَهُ، أَوْ مِنْ جِهَةِ شُهُودِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا مِنْ جِهَةِ ذِي الْيَدِ (وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخَمَّسَةُ كِتَابِ الدَّعْوَى) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ بَيْنِ مَسَائِلِ الدَّعْوَى تُسَمَّى مُخَمَّسَةَ كِتَابٍ الدَّعْوَى، إمَّا لِأَنَّ فِيهَا خَمْسَةَ أَقْوَالٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَذَكَرْنَا الْأَقْوَالَ الْخَمْسَةَ) وَهِيَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ وَإِمَّا لِأَنَّ فِيهَا خَمْسَ صُوَرٍ وَهِيَ: الْإِيدَاعُ، وَالْإِعَارَةُ، وَالْإِجَارَةُ، وَالرَّهْنُ، وَالْغَصْبُ كَمَا ذَكَرُوهُ أَيْضًا

. (وَإِنْ قَالَ: ابْتَعْتُهُ مِنْ الْغَائِبِ فَهُوَ خَصْمٌ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ: يَعْنِي إنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>