للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ إجَارَةِ الْعَبْدِ

قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ)؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ السَّفَرِ اشْتَمَلَتْ عَلَى زِيَادَةِ مَشَقَّةٍ فَلَا يَنْتَظِمُهَا الْإِطْلَاقُ،

الْجِنْسِ مُقَدَّمًا عَلَى النَّوْعِ لَا يَقْتَضِي تَأْخِيرَ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ إلَى هُنَا، فَإِنَّ مَسَائِلَ كَثِيرَةً مِنْ الْأَبْوَابِ السَّابِقَةِ مُخْتَصَّةٌ أَيْضًا بِالنَّوْعِ لَا عَامَّةٌ لِلْجِنْسِ، أَلَا يُرَى أَنَّ مَسَائِلَ بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ مُخْتَصَّةٌ بِالنَّوْعِ الْفَاسِدِ مِنْ جِنْسِ الْإِجَارَةِ، وَكَذَا مَسَائِلُ بَابِ الْإِجَارَةِ عَلَى أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ مُخْتَصَّةٌ بِالنَّوْعِ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ الشَّرْطَانِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْأُخْرَى الْمُتَقَدِّمَةِ. وَإِنَّمَا يَقْتَضِي هَذَا الْوَجْهُ تَأْخِيرَ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ عَمَّا ذَكَرَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْعَامَّةِ لِجِنْسِ الْإِجَارَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ الْكَثِيرَةِ الْمُتَنَوِّعَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْبَيْنِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ.

وَأَمَّا مَا أَوْرَدَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَمَنْ يَحْذُو حَذْوَهُ مِنْ النَّظَرِ فَقَدْ قَصَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ دَفْعَهُ حَيْثُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ إجَارَةِ الْعَبْدِ: أَيْ نَفْسِهِ وَقَالَ: وَإِجَارَةُ الْغَيْرِ إيَّاهُ ذُكِرَتْ اسْتِطْرَادًا، وَقَدْ يُقَدَّمُ فِي الذِّكْرِ مَا يُذْكَرُ اسْتِطْرَادًا كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ، فَعَلَى هَذَا الْإِجَارَةُ مُضَافٌ إلَى الْفَاعِلِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ، وَهِيَ كِرَاءُ الْأَجِيرِ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْرِبِ وَعَامَّةِ كُتُبِ اللُّغَةِ، وَلَمْ يُسْمَعْ مَجِيءُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مَصْدَرًا قَطُّ، وَإِنَّمَا الْمَصْدَرُ مِنْ الثُّلَاثِيِّ الْأَجْرُ، وَمِنْ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ الْإِيجَارُ وَالْمُؤَاجَرَةُ، فَلَمْ يُتَصَوَّرْ أَنْ يَكُونَ لِلْإِجَارَةِ فَاعِلٌ، وَمَفْعُولٌ، فَلَمْ يَصِحَّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْإِجَارَةَ هَاهُنَا مُضَافٌ إلَى الْفَاعِلِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى إجَارَةُ الْعَبْدِ نَفْسِهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ خَمْسُ مَسَائِلَ: ثِنْتَانِ مِنْهَا مُتَعَلِّقَتَانِ بِإِيجَارِ الْعَبْدِ نَفْسِهِ، وَثَلَاثٌ مِنْهَا مُتَعَلِّقَاتٌ بِإِيجَارِ الْغَيْرِ إيَّاهُ، فَحَمَلَ عُنْوَانَ الْبَابِ عَلَى أَقَلَّ مَا ذَكَرَ فِي الْبَابِ، وَجَعَلَ أَكْثَرَ مَا ذَكَرَ فِيهِ اسْتِطْرَادِيًّا كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ: وَإِجَارَةُ الْغَيْرِ إيَّاهُ ذُكِرَتْ اسْتِطْرَادًا مِمَّا لَا تَقْبَلُهُ فِطْرَةٌ سَلِيمَةٌ.

ثُمَّ أَقُولُ: فِي دَفْعِ مَا أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مِنْ النَّظَرِ إنَّ انْحِطَاطَ دَرَجَةِ الْعَبْدِ عَنْ الْحُرِّ كَمَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ فِيمَا إذَا وُجِدَ مِنْ الْعَبْدِ تَصَرُّفٌ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ، كَذَلِكَ يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ فِيمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَصَرُّفٌ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ كَانَ هُوَ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ، وَمَوْقِعَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ فِي كُلِّ مِنْ تَيْنِك الصُّورَتَيْنِ حُكْمًا خَاصًّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَبْدِ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ قَوْلُهُ: فِي الْوَجْهِ الَّذِي اخْتَارَهُ، وَبِالرَّقِيقِ مَسَائِلُ خَاصَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ ذَكَرَهَا فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ اخْتِصَاصَ مِثْلِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِالْعَبْدِ لَيْسَ لِارْتِفَاعِ دَرَجَتِهِ عَنْ الْحُرِّ بَلْ إنَّمَا هُوَ لِانْحِطَاطِ دَرَجَتِهِ عَنْ الْحُرِّ؛ فَكَانَ قَوْلُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ، وَمَنْ تَبِعَهُ: أَخَّرَ الْأَحْكَامَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْعَبْدِ عَنْ أَحْكَامِ الْحُرِّ؛ لِانْحِطَاطِ دَرَجَةِ الْعَبْدِ عَنْ الْحُرِّ وَجْهًا جَارِيًا فِي الصُّورَتَيْنِ مَعًا شَامِلًا لِلْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ بِأَسْرِهَا فَلَمْ يَتِمَّ قَوْلُ صَاحِبِ الْغَايَةِ، وَلَكِنْ لَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَذَا لَمْ يَبْدَأْ أَوَّلَ الْبَابِ بِاسْتِئْجَارِ الْعَبْدِ إلَخْ، إذْ مَدَارُهُ عَلَى أَنْ لَا يَجْرِيَ الْوَجْهُ الْمَزْبُورُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا يُنَادِي عَلَيْهِ تَعْلِيلُهُ. ثُمَّ إنَّ إضَافَةَ الْإِجَارَةِ إلَى الْعَبْدِ فِي عُنْوَانِ الْبَابِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْإِضَافَةِ إلَى الْفَاعِلِ وَلَا مِنْ قَبِيلِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمَفْعُولِ لِمَا عَرَفْت، بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْإِضَافَةِ لِأَدْنَى الْمُلَابَسَةِ فَتَشْمَلُ مَا كَانَ الْعَبْدُ مُتَصَرِّفًا فِي نَفْسِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ كَمَا فِي بَعْضِ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ.

وَمَا كَانَ الْعَبْدُ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ، وَمَوْقِعَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ كَمَا فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ. وَمِنْ هَذَا الْبَعْضِ الْمَسْأَلَةُ الْمُبْتَدَأُ بِهَا أَوَّلَ الْبَابِ فَلَا مَحْذُورَ وَلَا اسْتِطْرَادَ فِي شَيْءٍ تَأَمَّلْ تَرْشُدْ (قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ السَّفَرِ اشْتَمَلَتْ عَلَى زِيَادَةِ مَشَقَّةٍ فَلَا يَنْتَظِمُهَا الْإِطْلَاقُ) فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْمُسْتَأْجَرَ فِي مِلْكِ مَنَافِعِهِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمَوْلَى فِي مَنَافِعِ عَبْدِهِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يُسَافِرَ بِعَبْدِهِ فَلِمَاذَا لَا يَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>