للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا جُعِلَ السَّفَرُ عُذْرًا

لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُسَافِرَ بِأَجِيرِهِ؟ قُلْنَا: إنَّمَا يُسَافِرُ الْمَوْلَى بِعَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ، وَالْمُسْتَأْجِرُ لَا يَمْلِكُ رَقَبَةَ أَجِيرِهِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ. وَنَقْضُ هَذَا الْجَوَابِ بِمَنْ ادَّعَى دَارًا وَصَالَحَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً فَإِنَّ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَخْرُجَ بِالْعَبْدِ إلَى السَّفَرِ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ رَقَبَتَهُ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْآجِرِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي النَّقْلِ كَانَتْ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُقَرِّرُ حَقَّهُ فِي الْأَجْرِ، فَالْمُسْتَأْجِرُ إذَا سَافَرَ بِالْعَبْدِ فَهُوَ يُلْزِمُ الْمُؤَجِّرَ مَا لَمْ يَلْزَمْهُ مِنْ مُؤْنَةِ الرَّدِّ، وَرُبَّمَا تَرْبُو عَلَى الْأُجْرَةِ. وَأَمَّا فِي الصُّلْحِ فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ لَيْسَتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَالْمُدَّعِي بِالْإِخْرَاجِ إلَى السَّفَرِ يَلْتَزِمُ مُؤْنَةَ الرَّدِّ وَلَهُ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ أَنْ يَقْدِرَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يُسَافِرَ بِالْعَبْدِ إذَا الْتَزَمَ مُؤْنَةَ الرَّدِّ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْمُؤَجِّرُ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّهُ إنْ سَافَرَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْعَبْدِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ يَتَرَتَّبُ الضَّرَرُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ بِإِلْزَامِهِ إيَّاهُ مَا لَمْ يَلْزَمْهُ مِنْ مُؤْنَةِ الرَّدِّ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ الضَّرَرَ يَنْدَفِعُ بِالْتِزَامِ الْمُسْتَأْجِرِ تِلْكَ الْمُؤْنَةَ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ عِبَارَاتِ الْكُتُبِ عَدَمُ جَوَازِ الْمُسَافَرَةِ بِهِ مُطْلَقًا مَا لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ. وَطَعَنَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا كَمَا تَرَى انْقِطَاعٌ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّلَ احْتَاجَ إلَى أَنْ يَضُمَّ إلَى عِلَّتِهِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَأْجِرُ لَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ قَيْدًا، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ وَيَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ. ثُمَّ قَالَ: وَلَعَلَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ فِي مَنَافِعِ الْعَبْدِ كَالْمَوْلَى فَإِنَّ الْمَوْلَى لَهُ الْمَنْفَعَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ زَمَانًا، وَمَكَانًا وَنَوْعًا، وَلَيْسَ الْمُسْتَأْجِرُ كَذَلِكَ بَلْ يَمْلِكُهَا بِعَقْدٍ ضَرُورِيٍّ يَتَقَيَّدُ بِمَكَانٍ وَزَمَانٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ الْمَوْلَى وَالْعُرْفُ يُوجِبُهُ، أَوْ دَفْعُ ضَرَرِ الْمُؤْنَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا يُوجِبُهُ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

أَقُولُ: فِيمَا اسْتَصْوَبَهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِمَسْأَلَةِ الصُّلْحِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُصَالِحَ أَيْضًا لَا يَمْلِكُ مَنَافِعَ الْعَبْدِ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَالْمَوْلَى، بَلْ هُوَ أَيْضًا إنَّمَا يَمْلِكُهَا بِعَقْدٍ ضَرُورِيٍّ هُوَ عَقْدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>