غَصْبُهَا وَإِتْلَافُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا بَقَاءَ لَهَا، وَلِأَنَّهَا لَا تُمَاثِلُ الْأَعْيَانَ لِسُرْعَةِ فَنَائِهَا وَبَقَاءِ الْأَعْيَانِ،
الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، فَيَجُوزُ فِي الْإِجَارَةِ أَنْ تَجِبَ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِمُقَابَلَةِ الْمَنَافِعِ الَّتِي حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ بِحُدُوثِهَا فِي يَدِهِ إذَا وَقَعَ التَّرَاضِي عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ إقَامَةِ الْعَيْنِ الَّتِي هِيَ مِلْكُ الْمُؤَجِّرِ وَسَبَبٌ لِوُجُودِ الْمَنْفَعَةِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ عَلَى مُوجِبِ الِاسْتِحْسَانِ بِالنَّصِّ، بِخِلَافِ الْغَصْبِ فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا فَلَا يُرْتَكَبُ فِيهِ مَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهَا لَا تُمَاثِلُ الْأَعْيَانَ لِسُرْعَةِ فَنَائِهَا وَبَقَاءِ الْأَعْيَانِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الدَّلِيلُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنَافِعَ الْمَغْصُوبِ لَا تُضْمَنُ بِالْأَعْيَانِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا لَا تُضْمَنُ بِالْمَنَافِعِ الْمُمَاثِلَةِ لَهَا وَالْمُدَّعَى عَدَمُ مَضْمُونِيَّتِهَا أَصْلًا فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ.
وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ مَبْنَى تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ هَذَا الدَّلِيلَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَزْبُورِ تَقَرُّرُ عَدَمِ مَضْمُونِيَّتِهَا بِالْمَنَافِعِ بِالْإِجْمَاعِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِنَفْيِ هَذَا الِاحْتِمَالِ لِظُهُورِهِ، يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي هَذَا الدَّلِيلَ حَيْثُ قَالَ: وَلَئِنْ سَلَّمْنَا تَصَوُّرَ غَصْبِهَا فَلَا يُمْكِنُ تَضَمُّنُهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ صَارَتْ مَضْمُونَةً عَلَى الْغَاصِبِ فَإِمَّا أَنْ تُضْمَنَ بِالْمَنَافِعِ وَهُوَ بَاطِلٌ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، أَوْ بِالْأَعْيَانِ وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَا تُمَاثِلُ الْأَعْيَانَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى وَقْتَيْنِ وَالْعَيْنُ تَبْقَى أَوْقَاتًا. وَبَيْنَ مَا يَبْقَى وَمَا لَا يَبْقَى تَفَاوُتٌ عَظِيمٌ، وَضَمَانُ الْعُدْوَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَيُرْشِدُ إلَيْهِ أَيْضًا تَقْرِيرُ صَاحِبِ غَايَةِ الْبَيَانِ ذَلِكَ الدَّلِيلَ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَوْ كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَى الْغَاصِبِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً بِأَمْثَالِهَا مِنْ الْمَنَافِعِ، أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ الْأَعْيَانِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً بِالْأَمْثَالِ وَهِيَ الْمَنَافِعُ؛ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً بِالْأَعْيَانِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ، وَالْمُمَاثَلَةُ شَرْطٌ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ اهـ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَاعْتُرِضَ بِمَا إذَا أَتْلَفَ مَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي تَبْقَى، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ مِنْ حَيْثُ الْفَنَاءُ وَالْبَقَاءُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَبِمَا إذَا اسْتَأْجَرَ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِدَرَاهِمِ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ لَا مَحَالَةَ، وَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرْتُمْ صَحِيحًا لَمَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَانَ إلَى مَالِ الْيَتِيمِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْوَجْهِ الْأَحْسَنِ.
وَأُجِيبَ عَنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ الْمُعْتَبَرَةَ هِيَ مَا تَكُونُ بَيْنَ بَاقٍ وَبَاقٍ لَا بَيْنَ بَاقٍ وَأَبْقَى فَكَانَ السُّؤَالُ غَيْرَ وَارِدٍ، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى أَنَّهَا تُعْتَبَرُ بَيْنَ جَوْهَرَيْنِ لَا بَيْنَ جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ، أَلَا يَرَى أَنَّ بَيْعَ الثِّيَابِ بِالدَّرَاهِمِ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَبْلَى دُونَ الْآخَرِ، وَعَنْ الثَّانِي بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ شِرَاءَ الثِّيَابِ بِدَرَاهِمِ الْيَتِيمِ جَائِزٌ لِلْوَصِيِّ مَعَ وُجُودِ التَّفَاوُتِ كَمَا ذَكَرْنَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقُرْبَانَ بِالْأَحْسَنِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ هُوَ مَا لَا يُعَدُّ عَيْبًا فِي التَّصَرُّفَاتِ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيمَا ذَكَرَهُ فِي كُلٍّ مِنْ الْجَوَابَيْنِ شَيْءٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ؛ فَلِأَنَّ تَنْوِيرَهُ بِقَوْلِهِ أَلَا يَرَى أَنَّ بَيْعَ الثِّيَابِ بِالدَّرَاهِمِ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَبْلَى دُونَ الْآخَرِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ جَوَازَ نَوْعٍ مِنْ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ فِي الْبَيْعِ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ؛ لِأَنَّ لِلْعَقْدِ وَالرِّضَا تَأْثِيرًا فِي تَجْوِيزِ كَثِيرٍ مِنْ التَّفَاوُتِ، وَعَنْ هَذَا قَالُوا: يَجُوزُ بَيْعُ عَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ بِأُلُوفٍ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ التَّفَاوُتُ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ قَطْعًا، أَلَا يَرَى أَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ يَجُوزُ أَيْضًا بِالْعَقْدِ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ مَنْفَعَةَ دَارٍ مَثَلًا بِدَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ مَعَ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ لَا تُتَصَوَّرُ بَيْنَ جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ كَمَا صَرَّحَا بِهِ.
وَأَمَّا فِي الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ جَوَازَ شِرَاءِ الثِّيَابِ بِدَرَاهِمِ الْيَتِيمِ لِلْوَصِيِّ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ اسْتِئْجَارِ الْوَصِيِّ لِلْيَتِيمِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِدَرَاهِمِهِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْأَوَّلِ بَيْنَ جَوْهَرٍ وَجَوْهَرٍ وَهُوَ تَفَاوُتٌ غَيْرُ فَاحِشٍ، وَالتَّفَاوُتُ فِي الثَّانِي بَيْنَ جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ وَهُوَ تَفَاوُتٌ فَاحِشٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ جَوَازَ تَصَرُّفِ الْوَصِيِّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ بِالتَّفَاوُتِ الْغَيْرِ الْفَاحِشِ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَصَرُّفِهِ بِالتَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ، أَلَا يَرَى أَنَّ التَّفَاوُتَ الْفَاحِشَ الَّذِي بَيْنَ جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ يَمْنَعُ الْمُمَاثَلَةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ دُونَ التَّفَاوُتِ الْغَيْرِ الْفَاحِشِ الَّذِي بَيْنَ جَوْهَرٍ وَجَوْهَرٍ، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي تَصَرُّفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute