للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُهَا، فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَذْهَبَيْنِ بَيْنَ مَا إذَا عَطَّلَهَا أَوْ سَكَنَهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ سَكَنَهَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ عَطَّلَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. لَهُ أَنَّ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ مُتَقَوِّمَةٌ حَتَّى تُضْمَنَ بِالْعُقُودِ فَكَذَا بِالْغُصُوبِ. وَلَنَا أَنَّهَا حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِ الْغَاصِبِ لِحُدُوثِهَا فِي إمْكَانِهِ إذْ هِيَ لَمْ تَكُنْ حَادِثَةً فِي يَدِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى فَيَمْلِكُهَا دَفْعًا لِحَاجَتِهِ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَضْمَنُ مِلْكَهُ، كَيْفَ وَأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ

الثَّانِيَةِ أَنَّ الْوِلَادَةَ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِمَوْتِ الْأُمِّ، إذَا لَا تُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا فَكَانَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ تَدَافُعٌ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي التَّوْجِيهِ

(قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهَا حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِ الْغَاصِبِ لِحُدُوثِهَا فِي إمْكَانِهِ، إذْ هِيَ لَمْ تَكُنْ حَادِثَةً فِي يَدِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى فَيَمْلِكُهَا دَفْعًا لِحَاجَتِهِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَضْمَنُ مِلْكَهُ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مُقْتَضَى هَذَا الدَّلِيلِ أَنْ لَا تَجِبَ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا إذَا حَدَثَتْ الْمَنَافِعُ فِي يَدِهِ كَمَا فِي اسْتِئْجَارِ الدُّورِ وَالْأَرَاضِيِ وَالدَّوَابِّ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ كَمَا لَا يَضْمَنُ مِلْكَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ بِمُقَابَلَةِ مِلْكِهِ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ فِي ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا حَامَ حَوْلَ جَوَابِ هَذَا الْإِشْكَالِ مَعَ ظُهُورِ وُرُودِهِ إلَّا صَاحِبَ غَايَةِ الْبَيَانِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ الْإِيجَابِ.

قُلْنَا: لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ عِنْدَنَا بِمُقَابَلَةِ الْمَنَافِعِ بَلْ بِمُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ إلَّا بِتَمَكُّنِهِ كَانَ ذَلِكَ طَرِيقًا لِلْوُصُولِ إلَى اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ فَأَعْطَى لِمَا هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَنْفَعَةِ حُكْمَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ اهـ.

أَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُخَلِّصًا هَاهُنَا إلَّا أَنَّهُ يَسْتَدْعِي تَرْكَ ظَاهِرِ كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرُوا فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ، كَقَوْلِهِمْ الْإِجَارَةُ تَمْلِيكُ النَّافِعِ بِعِوَضٍ، وَقَوْلِهِمْ وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَهَا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ، وَقَوْلُهُمْ وَتَنْعَقِدُ الْإِجَارَةُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسْبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي التَّسَاوِي، وَالْمِلْكَ فِي الْمَنْفَعَةِ الَّتِي هِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ يَقَعُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسْبِ حُدُوثِهَا فَكَذَا فِي بَدَلِهَا وَهُوَ الْأُجْرَةُ، وَقَوْلُهُمْ وَالدَّارُ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهَا لِيَرْتَبِطَ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ ثُمَّ عَمَلُهُ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ مِلْكًا وَاسْتِحْقَاقًا حَالَ وُجُوبِ الْمَنْفَعَةِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ الدَّالَّةِ عَلَى كَوْنِ الْأُجْرَةِ بِمُقَابَلَةِ الْمَنَافِعِ، وَلَعَلَّ تَأْوِيلَ كُلِّهَا مُتَعَسِّرٌ بَلْ مُتَعَذِّرٌ تَأَمَّلَ تَقِفُ.

ثُمَّ أَقُولُ: الْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: اقْتِضَاءُ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ عَدَمَ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا إذَا حَدَثَتْ الْمَنَافِعُ فِي يَدِهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى مُوجِبِ الْقِيَاسِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَاتِ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَهَا، إلَّا أَنَّهَا جُوِّزَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ اسْتِحْسَانًا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا، وَأَنَّ جَوَازَهَا عِنْدَنَا بِاعْتِبَارِ إقَامَةِ الْعَيْنِ الَّتِي هِيَ لِوُجُودِ الْمَنْفَعَةِ كَالدَّارِ مَثَلًا مَقَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>